لا تزال وفاة إليزابيث الثانية، ملكة بريطانيا، تتصدر التغطية الإعلامية في العالم لليوم الثاني على التوالي.
وقالت أبرز الصحف العالمية الصادرة، صباح اليوم السبت، إن تنصيب تشارلز الثالث، رسميًا في حفل مقرر إقامته، اليوم، يمثل ”استمرارية النظام الملكي في البلد المنقسم“.
واعتبرت تلك التقارير أن ”تشارلز الثالث ملك مختلف، عن والدته، ولديه أفكار وآراء عميقة حول العديد من القضايا الراهنة“.
كما تطرقت إلى ”خطر تراجع مكانة المملكة المتحدة“، من وجهة نظر أمريكية بسبب ”أزمات ذاتية بدءًا من الخروج من الاتحاد الأوروبي، ووفاة الملكة، وتراجع النفوذ على المسرح العالمي“.
”استمرارية النظام الملكي“
اعتبرت صحيفة ”نيويورك تايمز“ الأمريكية أن الخطاب الأول الذي ألقاه الملك تشارلز الثالث، أمس الجمعة، يعد رمزًا لاستمرارية النظام الملكي في البلاد.
وتحت عنوان: ”سأسعى لخدمتكم بإخلاص، واحترام، وحب، كما فعلت طوال حياتي“، قالت الصحيفة إن ”خطاب تشارلز توج بيوم حداد في جميع أنحاء بريطانيا“.
وأضافت: ”كان أيضًا رمزًا حيًا للاستمرارية في هذه الملكية الدستورية، ثم التقى برئيسة الوزراء الجديدة، ليز تراس“.
وفي إشارة إلى تعهد الملكة إليزابيث ”بخدمة شعبها لما تبقى من حياتها“، قال تشارلز (73 عامًا) في الخطاب: ”أنا، أيضًا، أتعهد الآن رسميًا، طوال الوقت المتبقي لي بأن أتمسك بالمبادئ الدستورية في صميم أمتنا“.
وذكرت الصحيفة أن ”تشارلز صرح بأن حياته ستتغير إلى الأبد، حيث لم يعد قادرًا على الانخراط في الأعمال الخيرية أو القضايا السياسية، مثل تغير المناخ، التي شغلته أثناء انتظاره الطويل للعرش“.
وأضافت أنه بدلًا من ذلك، سيتحمل تشارلز ”أعباء“ والدته، لكنها اعتبرته ”شخصية احتفالية إلى حد كبير وبعيدًا تمامًا عن السياسة“.
ورأت أن ”صعوده أيضًا يمثل فصلًا جديدًا في العلاقة بين الملك ورئيس الحكومة، وهو فصل يمتد منذ ونستون تشرشل، أول رئيس وزراء بريطاني في عهد الملكة إليزابيث.
وتوقعت الصحيفة ”أسلوبًا ملكيًا جديدًا“ بقيادة ملك أشار إلى رغبته في إعادة تشكيل دور عائلته في الحياة البريطانية.
وأضافت ”نيويورك تايمز“: ”ظهرت لمحة عن هذا الأسلوب الجديد، بعد ظهر أمس، عندما وصل تشارلز وزوجته الملكة كاميلا إلى قصر باكنغهام“.
وتابعت: ”قفز الملك من سيارته للانخراط في بعض المرح الديمقراطي الواضح، وهو أمر أكثر نموذجية لسياسي في مسار حملته الانتخابية أكثر من كونه عضوًا في العائلة المالكة“.
”ملك مختلف“
من جانبها، رأت صحيفة ”واشنطن بوست“ الأمريكية أن الملك تشارلز سيكون ”ملكًا مختلفًا“ في كافة النواحي عن والدته.
وعلى الرغم من أن الملك الجديد قال، الجمعة، إنه ”يريد الموازنة بين التقاليد والتقدم، لكن العديد من مقربيه يعتقدون أنه سيغير المفاهيم الملكية، ”أو على الأقل سيكسرها أحيانًا“.
وأوضحت الصحيفة أن ”السبب وراء ذلك هو أن تشارلز لديه آراء مختلفة، وأفكار عميقة“.
وتابعت: ”على سبيل المثال ”الموضة السريعة“، و“الأسيجة“ و“مواقف السيارات“ و“الخضراوات والفاكهة العضوية“، فضلًا عن أنه أسس مراكز فكرية ومؤسسات وصناديق استئمانية أميرية لتعزيز ”الحلول الشاملة للتحديات التي تواجه العالم اليوم“.
وبالرغم من قوله إنه ”لن يكون من الممكن بالنسبة لي بعد الآن أن أعطي الكثير من وقتي وطاقاتي للمؤسسات الخيرية والقضايا التي أهتم بها بشدة،“ اعتبر تقرير الصحيفة أنه ”لن يكون قادرًا على إيقاف ذلك“.
ونقل التقرير عن روبرت هاردمان، كاتب السيرة الملكية ومؤلف كتاب ”ملكة العصر“، قوله: ”سيكون تشارلز ملكًا من نوع مختلف“.
وأضاف هاردمان: ”إنه مفكر عميق ورومانسي وعاطفي“.
ووفقًا للصحيفة، قال منظمو استطلاعات الرأي إن ”الكثير من البريطانيين لا يحبون تشارلز، لكنهم لا يكرهونه بشدة أيضًا“.
نفوذ بريطانيا معرض للتراجع
في غضون ذلك، نقلت صحيفة ”الغارديان“ البريطانية عن مراقبين أمريكيين قولهم إن وفاة الملكة إليزابيث قد عمقت ”دوامة الهبوط“ في المملكة المتحدة على الساحة العالمية.
ونقلت الصحيفة في تقرير عن مراقبين، قولهم إن ”النظرة السائدة من الولايات المتحدة لبريطانيا ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي وما بعد وفاة الملكة هي أن الأخيرة باتت في الأساس دولة ذات نفوذ متدهور“.
وأشاروا إلى أن المملكة المتحدة معرضة لخطر تراجع المكانة على المسرح العالمي نتيجة أزمات ذاتية في الغالب.
وقال التقرير إن ”التغطية الإخبارية الأمريكية ليوم وفاة الملكة كانت ”مبجلة“ إلى حد كبير.
وأضاف أنه ”بحلول، أمس الجمعة، كان هناك رد فعل عنيف، مما يشير إلى العلاقة التي لا تنفصم بين العائلة المالكة والماضي الإمبراطوري للبلاد“.
وفي هذا الإطار، أفادت الصحيفة بأن ”مايا جاسانوف، أستاذة التاريخ بجامعة هارفارد، قد جادلت بأن الملكة الراحلة كانت ”الوجه الراسخ والتقليدي لفترة دامية بشكل خاص في نهاية الإمبراطورية“.
وأضافت جاسانوف: ”كانت القوات البريطانية تقاتل نضالات الاستقلال في كينيا، ومالايا، وقبرص“.
وتابعت: ”كانت هذه أعمال عنف وأظهرت أن البريطانيين غير راغبين تمامًا بمغادرة المستعمرات، وهو أمر يختلف بشكل غريب عن نقل السلطة الذي يعنيه ذلك ضمنيًا“.
وذكرت الصحيفة أن الأستاذة الجامعية الأمريكية ترى أن ”شبح الإمبراطورية“ أصبح معلقًا على مجموعة الأزمات الوطنية الحالية في بريطانيا.
وأردفت جاسانوف: ”مع خروجها من الاتحاد الأوروبي، وجهت بريطانيا لنفسها ضربة قوية، وذلك جزئيًا على أساس أفكار معينة حول ما تمثله بريطانيا، وما هو دور بريطانيا في العالم. هذه الأفكار عن دور بريطانيا في العالم تنبع من الإمبراطورية“.
في السياق ذاته، نقلت ”الغارديان“ عن الكاتب بصحيفة ”واشنطن بوست“، إيشان ثارور، قوله إن الملكة إليزابيث كانت مسؤولة عن الانتهاكات ”عبر بقايا الإمبراطورية“ بعد الحرب العالمية الثانية خلال فترة حكمها.
وأضاف ثارور أن الملكة الراحلة ”ربما لم تكن على دراية بكل التفاصيل الدنيئة للعمليات التي نفذت للحفاظ على إمبراطوريتها“.
لكنه جادل، بأنها صورت نفسها على أنها ”الوكيل السعيد للكومنولث“ للمستعمرات السابقة، مشيرًا إلى أن ”تاريخها لم يكن حميدًا“.
ولفتت الصحيفة البريطانية إلى أنه ”قبل وفاة الملكة إليزابيث – وفي بعض التغطيات اللاحقة – ركزت تغطية وسائل الإعلام الأمريكية بشأن بريطانيا على سلسلة من الأزمات؛ بما في ذلك الأزمات السياسية المتكررة لحكومة بوريس جونسون، وأزمة الطاقة، وأزمة تكلفة المعيشة، والانخفاض الدراماتيكي في قيمة العملة“.
وقالت إليزابيث كارتر، الأستاذة المساعدة في العلوم السياسية بجامعة نيو هامبشاير: ”أعتقد حقًا أنه للخروج من هذا المسار الهابط العميق، يجب أن يكون هناك ابتكار كبير“.
وأضافت كارتر أن ”الاستمرار في استخدام الأدوات القديمة واللعب وفقًا للقواعد القديمة للعبة سيؤدي إلى تدهور طويل الأمد“.
وذكرت أن ”هذا التراجع قد يكون أكثر حدة من أي شيء شهدته المملكة المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية“.
وجادلت أن ”البقاء على نفس المسار الهبوطي سيؤدي بدوره إلى زيادة احتمالية تصويت اسكتلندا لصالح الاستقلال؛ الأمر الذي سيكون بمثابة ضربة مدمرة لبريطانيا، وسيسرّع الانحدار اللولبي لها على الساحة العالمية“.
ونقل التقرير البريطاني عن دانيال سيروير، وهو دبلوماسي أمريكي سابق، قوله إنه يرى أن إعلان الاستقلال الاسكتلندي ”أمر لا مفر منه“.
وأضاف سيروير: ”لقد عانت المملكة المتحدة من تراجع مفاجئ في سلطتها ونفوذها“.
تقدم أوكراني ”سريع“.. ودفاع روسي
في قضية أخرى، ذكرت صحيفة ”وول ستريت جورنال“ الأمريكية أن التقدم ”السريع“ للقوات الأوكرانية شرق البلاد قد وضع القوات الروسية في موقف دفاعي“.
وأضافت الصحيفة أن ”موسكو تسرع في إرسال تعزيزات خشية قطع الإمدادات عن جيشها بسبب الهجوم الأوكراني“.
وتابعت: ”تقدمت القوات الأوكرانية في مدينة إستراتيجية في شرق البلاد، مهددة بعزل الآلاف من القوات الروسية بعد 4 أيام من المكاسب السريعة التي فاجأت موسكو وغيرت زخم الحرب“.
وأردفت: ”أظهر الاختراق لأول مرة أن أوكرانيا، بفضل المساعدات العسكرية الغربية، يمكنها استعادة الأراضي من القوات الروسية التي تحتل أجزاءً من جنوب وشرق البلاد“.
وأشارت الصحيفة إلى أنه ”بعد اختراق الدفاعات الروسية في منطقة خاركيف الشمالية الشرقية، في وقت سابق من الأسبوع الماضي، دفع التقدم الذي أحرزته أوكرانيا روسيا لتسريع إرسال تعزيزات إلى خاركيف“.
ولفتت إلى أن هذا التقدم أثار احتمالية حدوث أكبر ”تراجع“ لموسكو منذ أن أجبرت على سحب قواتها من أنحاء العاصمة كييف في مارس الماضي“.
وتابعت الصحيفة: ”وضع الهجوم المفاجئ القوات الأوكرانية على أطراف مدينة كوبيانسك، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 30 ألفًا قبل الحرب، والتي تعد مركزًا مهمًا للسكك الحديدية والطرق لإعادة الإمداد وتحركات قوات الاحتلال الروسية في شرق أوكرانيا“.
وأوضحت: ”ستؤدي السيطرة على المدينة إلى عزل القوات الروسية في الجنوب في إيزيوم، والتي سعت موسكو إلى استخدامها كنقطة انطلاق لهجومها الخاص.
ونقلت الصحيفة عن وكالة الأنباء الروسية الرسمية، ”ريا نوفوستي“، قولها إن الوضع في كوبيانسك ”ما زال صعبًا“ لكن الجيش تمكن من السيطرة على المدينة.
وأشارت الوكالة إلى أنه ”لم تتمكن أي وحدات أوكرانية من التسلل إلى المدينة“.
وقالت ”وول ستريت جورنال“: ”ساعد وصول مدفعية دقيقة بعيدة المدى من الغرب على إبطاء هدف روسيا المتمثل في الاستيلاء على منطقة دونباس الشرقية بأكملها في الأشهر الأخيرة“.
وأضافت: ”لكن القوات الأوكرانية في المقابل لم تتمكن من استعادة أي أراض كبيرة منذ أن أجبرت مقاومتها حول كييف القوات الروسية على الانسحاب من هناك“.
في سياق متصل، رأت صحيفة ”نيويورك تايمز“ أن ”القوات الأوكرانية قد حققت أهم مكاسب في ساحة المعركة منذ أن طردت الروس من المنطقة المحيطة بكييف من خلال استعادة الأراضي في الشمال الشرقي“.
وقالت الصحيفة إنه ”لا يمكن تحديد المواقع الدقيقة للقوات الأوكرانية في المنطقة المحيطة بإيزيوم بشكل مستقل، لكن بيانات الأقمار الصناعية والمحللين العسكريين المستقلين والصور ومقاطع الفيديو للقوات الأوكرانية أشارت إلى أنها تحركت بسرعة نحو كوبيانسك“.
واعتبرت أن ”التقدم الذي أحرزته أوكرانيا في الشمال الشرقي قد أرسل ”موجة من الصدمات“ إلى المدونين العسكريين الودودين في الكرملين، والمشجعين المؤيدين للحرب، والذين عادة ما يدعون إلى اتخاذ إجراءات أكثر عدوانية“.
وأضافت أنه ”في المقابل، حذّر المسؤولون الأوكرانيون والغربيون من أن العمليات الهجومية الأخيرة لا تزال في أيامها الأولى، وأن الوضع متقلب للغاية“.
وتابعت: ”لا يمكن التحقق من جميع مزاعم التقدم من قبل أوكرانيا بشكل مستقل“.
وأردفت: ”يسيطر الغموض حول حالة القتال في كل من شرق وجنوب أوكرانيا، حيث تفرض كييف تعتيمًا إعلاميًا؛ مما يحد من وصول الصحفيين إلى الصفوف الأمامية“.