في الآونة الأخيرة، شهد المغرب موجة غير مسبوقة من الجرائم التي أثارت قلقاً متزايداً في الأوساط الشعبية والرأي العام، وبرزت خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تحوّلت إلى مرآة تعكس تنامي الشعور بانعدام الأمن وسط فئات واسعة من المواطنين. ورغم أن الأرقام الرسمية الخاصة بسنة 2025 لم تُعلن بعد بشكل مفصل، فإن كثافة التدوينات ومقاطع الفيديو التي توثق لجرائم في مدن كبرى مثل الدار البيضاء وطنجة وفاس، تؤشر على واقع مقلق يستحق التحليل والتفكيك.
ارتفاع منسوب الجريمة ليس معزولاً عن السياق الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه المغرب في السنوات الأخيرة. الفقر الذي يضرب بقوة في الهوامش والضواحي، والبطالة المتفشية في أوساط الشباب الحاصلين على الشهادات أو المنقطعين عن الدراسة، كلها عوامل تدفع العديد إلى سلوك طرق ملتوية، في غياب أفق واضح للاندماج أو التموقع داخل الدورة الاقتصادية. هذه الوضعية أصبحت بمثابة أرضية خصبة لتنامي الظواهر الإجرامية، من السرقات بالعنف إلى الترويج للمخدرات والاعتداءات الجسدية.
ولا يمكن الحديث عن الجريمة دون التطرق إلى دور المخدرات، وخاصة الأنواع القوية المنتشرة حديثاً، مثل “القرقوبي” والمخدرات الاصطناعية التي تستهدف الفئات الهشة والمهمشة، وتحوّل بعض الشباب إلى قنابل موقوتة. المؤشرات الميدانية تفيد بأن جزءاً مهماً من الجرائم التي تقع اليوم يرتبط إما بتعاطي المخدرات أو بعمليات الاتجار بها، ما يفرض التفكير في مقاربات جديدة تجمع بين البعد الأمني والبعد الوقائي والصحي.
التفكك الأسري كذلك يلعب دوراً لا يستهان به. الاضطرابات داخل الأسرة، غياب أحد الأبوين، أو حتى العنف المنزلي، كلها عوامل تُنتج جيلاً فاقداً للتوازن العاطفي والتربوي، ما ينعكس في سلوكيات متهورة وعدوانية. ومع تراجع دور المدرسة العمومية، التي لم تعد قادرة على أداء وظيفتها التربوية بالشكل المطلوب، فإن الفضاء العام بات يستوعب هذه الطاقات المشوشة دون أي توجيه أو تأطير.
في المقابل، يُطرح تساؤل مشروع حول مدى فعالية المنظومة الأمنية والقضائية في التصدي لهذه الظواهر. رغم بعض الإنجازات، فإن التحديات المرتبطة بالعنصر البشري وظروف العمل داخل جهاز الأمن، وكذا بطء الإجراءات القضائية، تجعل من الردع مسألة نسبية. السجون تعاني من الاكتظاظ، ونسبة كبيرة من السجناء هم معتقلون احتياطياً، مما يعكس اختلالات على مستوى تدبير العدالة الزجرية.
من جهة أخرى، يعزو بعض المحللين تزايد الجريمة إلى غياب سياسة شاملة لإدماج الشباب في الحياة العامة. البرامج الحكومية الحالية تظل قاصرة عن معالجة جذور الإقصاء الاجتماعي، حيث لا تلامس القضايا الحقيقية للشباب: التشغيل، الثقافة، التكوين، والمشاركة السياسية. هذا التهميش البنيوي يدفع شرائح واسعة إلى العنف كوسيلة للوجود أو كتعويض عن الإحساس بالفشل والتهميش.
في المجمل، فإن تصاعد الجريمة في المغرب سنة 2025 لا يمكن اختزاله في تفسيرات سطحية أو أمنية فقط. نحن أمام أزمة مجتمعية مركبة تستدعي تفكيكاً هادئاً ومسؤولاً، يجمع بين المعالجة الأمنية، والإصلاح الاجتماعي، والعدالة الاقتصادية، وإعادة الاعتبار لمؤسسات التنشئة الاجتماعية. فبدون مواجهة حقيقية لجذور الأزمة، سنظل ننتقل من موجة إلى أخرى، ومن صدمة إلى أخرى، دون تغيير حقيقي في عمق الواقع.