الحدث بريس: متابعة.
أكد تقرير المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، السيد أحمد شوقي بنيوب حول أحداث الحسيمة وحماية حقوق الإنسان، أن المؤاخذات على المعطيات القضائية المتعلقة بملف جنائي عرض على أنظار غرفة الجنايات الابتدائية بالدار البيضاء، والذي توبع فيه 53 شخصا على خلفية أحداث الحسيمة، من بينهم نشطاء، لم تكلف نفسها عناء الاطلاع على الحكم الابتدائي، وتصدت له بالنقد دون التفاعل مع أجوبته.
وشدد التقرير، الذي قدمه السيد بنيوب خلال استضافته اليوم الخميس بملتقى وكالة المغرب العربي للأنباء، على أن هذا الأمر غير متعارف عليه بين الحقوقيين والقانونيين في هذا المجال، إذ “تقتضي الموضوعية والمهنية والتقاليد العريقة في ملاحظة المحاكمات، الوقوف عند الأجوبة التي تقدمها الأحكام والقرارات، للدفوع والطلبات والملتمسات والطعون المقدمة بشأنها”.
وأوضح التقرير أن اختيار هذا الملف تحديدا تأسس على اعتبارات أهمها كونه استأثر باهتمام واسع، وكان محط تتبع من طرف ملاحظين وطنيين وأجانب، ولأنه جسد، في عدة جوانب، حالة توتر خاص، في إطار تصور المتهمين لتدبير علاقتهم مع الملف، حيث تمت مقاطعة الجلسات من طرفهم في المرحلة الابتدائية، مباشرة بعد الانتهاء من الاستنطاق، وقبل الشروع في المرافعات، ما عدا حالة المتهم (ح.م).
كما أملى هذا الاختيار، يضيف التقرير، كون الملف عالج ادعاءات التعرض للتعذيب التي كانت بدورها موضوع طعن من قبل نشطاء ومنظمات، فضلا عن السعي إلى معرفة درجة التعاطي مع موضوع ضمانات المحاكمة العادلة، ولكون مقاربة المعطيات القضائية، باعتبارها معطيات نوعية، من صميم انشغالات المندوب الوزاري، بمناسبة التفاعل مع الآليات الأممية ذات الصلة، والمنظمات الوطنية والدولية المعنية بحقوق الإنسان.
وسجل التقرير أن معظم المؤاخذات أغفلت أو سكتت على الأسلوب الذي نهجه متابعون في الملف، حيث أمنت لهم المحكمة حقهم الكامل في التعبير عن إراداتهم الحرة، وعن أفكارهم وتصوراتهم واعترافاتهم، وهو ما قاموا به دون أن تقاطعهم هيأة الحكم، وتولوا ذلك بالعبارات والخطب والصيغ التي اختاروها، بل نقل بعضهم أجواء التوتر التي عرفتها الحسيمة بكل ثقلها إلى أجواء المحكمة.
واعتبر التقرير أنه إذا كان ذلك من حقهم، بأحد المعاني، دفاعا عن أنفسهم وعن الأحداث التي كانت أكبر منهم في النهاية، فإنه كان من المنطقي أن تسجل المؤاخذات ذلك، فضلا عن أنها لم تقدم أجوبة معللة لقرارهم بمقاطعة الجلسات.
كما سجل التقرير تقديم مؤاخذات حول ادعاءات التعذيب دون الرجوع إلى الأجوبة الدقيقة التي عالجت بها المحكمة ما عرض عليها، مشيرا إلى أنه يبدو أن المؤاخذات لا تملك ما يكفي من العناصر للتفاعل مع ذلك، فضلا عن التعميم عند التعرض إلى الموضوع، ودعا في هذا الصدد إلى التفكير في تنظيم حوار خاص حول هذا الموضوع.
وفي معرض قراءته للحكم الابتدائي، المؤيد استئنافيا، توقف التقرير عند جملة أمور تخص هذه المحاكمة في إطار التقيد التام بعدم التدخل، في ما انتهى إليه القضاة من اقتناع صميم بخصوص جوهر المتابعات، حيث لفت إلى أن المحاكمة، المنعقدة بمدينة الدار البيضاء، جرت في ظل استمرار توتر أحداث الحسيمة، التي نزلت بكل ثقلها على القضاء والمتابعين أنفسهم، وأن هيأة الحكم قدمت أمثلة عن صبر القاضي في إدارة الجلسات، وعن الطريقة التي ارتضاها متابعون، حيث “دامت مداخلة بعض المتهمين ساعات طويلة” (ص 2585 من الحكم).
وأبرز أن الإنصاف يقتضي استحضار موقف الدولة القانوني عندما انتصبت كطرف مدني، وهي ملزمة بحماية الموظفين، موضحا أنه بالرغم من إضرام النار بإقامة خاصة كانت تأوي عناصر أمنية، مما خلف 84 جريحا، ومنهم من أصيب بضربات عنيفة أفضت إلى إصابة موظف بشلل دائم، فإن الدولة التي انتصبت طرفا مدنيا، في نطاف الفصل 19 من قانون الوظيفة العمومية، دفاعا عن الموظف، وتبعا للفصل 7 من القانون المنظم للمديرية العامة في إطار ممارسة المهنة الشرطية، لم تتصرف من موقع الخصومة مع المتهمين، ولم تطالب بأي عقوبة ضد أي من المتهمين، ولم تعترض على أي طلب سراح ولم تطالب بالحكم لها بأي تعويض عن الخسائر التي لحقت معدات الدولة وعدم انتصابها كطرف مدني.
وأشار التقرير إلى أن المحكمة تصدت في نطاق موجبات القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومقتضيات الدستور والقانون الوطني، تحليلا وتعليلا للموضوعات المتعلقة بضمانات المحاكمة العادلة، من حيث: مبدأ الشرعية، توفير شروط العلنية، مبدأ الحضورية، احترام مبدأ قرينة البراءة، الإشعار بالتهم والحق في الترجمة، إعداد الدفاع بمساعدة محام، السلامة الجسدية ومنع التعذيب.
كما تصدت، يضيف التقرير، لموضوعات أخرى إجرائية تخص: الحراسة النظرية، بطلان محاضر الشرطة القضائية، عدم قانونية إجراءات التقاط المكالمات الهاتفية، خرق مقتضيات إجراءات التفتيش والحجز، بطلان إجراءات سحب القضية من محكمة الاستئناف بالحسيمة وإحالتها على محكمة الدار البيضاء، بطلان إجراءات التحقيق، عدم دستورية فصول المتابعة.
وخلص التقرير إلى أنه بعد أن قاطع المتهمون الجلسات وقالت العدالة كلمتها، في حدود ما عرض عليها، يبقى من الواجب الأخلاقي، وفي إطار القيم الإنسانية، استمرار مرافقة المحكومين، من خلال تتبع أوضاعهم، كسجناء، في انتظار استعادتهم لحريتهم، معتبرا أن قوة أحداث الحسيمة ربما لم تسعفهم بعد في أخذ المسافة معها، وهو ما يفرض استمرار مواكبة المحكوم عليهم وعائلاتهم، والعمل على إدماج المفرج عنهم، ممن صدر في حقهم العفو أو ممن أمضوا المدد المحكوم بها.