في خطوة تصعيدية غير مسبوقة، رفعت جامعة هارفارد دعوى قضائية ضد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، احتجاجاً على قرار تجميد تمويل حكومي يتجاوز 2.2 مليار دولار، وسط تهديدات بقطع تمويلات إضافية وتجميد عقود بحثية تبلغ قيمتها 60 مليون دولار. الدعوى، التي قُدمت أمام المحكمة الفيدرالية في بوسطن، اعتبرت أن القرار يمثل هجوماً مباشراً على استقلال الجامعات الأمريكية، وعلى حرية البحث العلمي والأكاديمي.
وأكدت الجامعة أن إدارة ترامب تستخدم التمويل كأداة ضغط سياسي، مشيرة إلى أن القرار لم يكن مفاجئاً، بل جاء بعد أشهر من المراجعات التي أطلقتها الحكومة الفيدرالية بداية من مارس، شملت ما مجموعه تسعة مليارات دولار مخصصة لهارفارد. وخلال تلك المراجعة، طُلب من الجامعة إنهاء برامج التنوع والمساواة والشمول، وهو ما اعتبرته المؤسسة ابتزازاً غير مقبول وتدخلاً تعسفياً في شؤونها الداخلية.
السياق العام لهذا التصعيد لا ينفصل عن احتجاجات طلابية واسعة داخل الجامعة دعماً للقضية الفلسطينية، ما دفع مراقبين إلى اعتبار الخطوات الفيدرالية محاولة لكبح الحراك الطلابي المناهض لسياسات الاحتلال الإسرائيلي. وفي هذا الإطار، اتهمت هارفارد الإدارة بمحاولة تقويض حرية التعبير، مستخدمة أدوات مالية للضغط على المؤسسات التي تسمح بفضاءات نقاش حرّ داخل الحرم الجامعي.
رئيس الجامعة، آلان غاربر، وصف قرارات الإدارة بأنها غير قانونية وتنتهك مبدأ استقلالية الجامعات، محذراً من أن التهديدات الفيدرالية قد تلحق أضراراً بعيدة المدى بقطاع التعليم العالي في البلاد، خاصة في المجالات البحثية الحيوية مثل أبحاث السرطان. وأضاف أن الجامعة لن تتراجع عن التزاماتها الأخلاقية، وستواصل الدفاع عن حقوق طلابها وأساتذتها، مشيراً إلى أن هارفارد ستنشر قريباً تقارير خاصة بفريق العمل المعني بمكافحة التحيز ضد المسلمين والعرب والفلسطينيين داخل الجامعة.
التوتر القائم يعكس مناخاً سياسياً متوتراً، إذ أظهر استطلاع أجرته وكالة “رويترز-إبسوس” تراجعاً كبيراً في شعبية ترامب، إذ لم تتجاوز نسبة التأييد له 42%، فيما عبّر 74% من الأمريكيين عن رفضهم لفكرة ترشحه لولاية رئاسية ثالثة. هذا التراجع يتزامن مع تصاعد النقد داخل الأوساط الجامعية والطلابية لسياسات الإدارة، خاصة بعد خطاب مستشار الأمن القومي السابق جيك سوليفان الذي اعتبر الهجمات على غزة “ليست إبادة جماعية”، ما أثار موجة استنكار واسعة في أوساط الطلبة الذين رفعوا لافتة كتب عليها: “قتل 51 ألف فلسطيني ليس دفاعاً عن النفس”.
المعركة التي تخوضها جامعة هارفارد اليوم ليست قانونية فحسب، بل تحمل في طياتها أبعاداً ثقافية وسياسية تتعلق بمستقبل التعليم العالي في أمريكا، وبدور الجامعات كفضاء مستقل للحوار والبحث والنقد. وفي مواجهة سعي الإدارة الفيدرالية لفرض أجندتها على المؤسسات الأكاديمية، تصرّ هارفارد على أن استقلالها ليس قابلاً للتفاوض، حتى وإن كان الثمن مليارات الدولارات.