وجّه حزب “فوكس” المتطرف انتقادات حادة إلى المغرب، متهماً إيّاه بفرض “رسوم جمركية تعجيزية” على المنتجات الأندلسية، في ما بدا أنه توظيف سياسي متعمد لقضايا اقتصادية معقدة بهدف تأجيج الشارع الانتخابي.
الحزب، المعروف بمواقفه المتشددة إزاء قضايا الهجرة والسيادة، استغل ندوة صحافية هذا الأسبوع لعرض أرقام اعتبرها دليلاً على “اختلال في المعاملة التجارية” بين الرباط ومدريد، متناسياً عمداً السياقات السيادية والسياسات الاقتصادية التي تنتهجها الدول لحماية أسواقها الوطنية. وقد صوّب الحزب اتهاماته نحو المغرب بسبب ما سماه “رسوماً مبالغ فيها” تصل إلى 200% على بعض المنتجات الحيوانية، مقابل دخول الصادرات المغربية إلى إسبانيا من دون عراقيل جمركية.
لكن المثير في الخطاب الذي تبناه الحزب هو تحميل الحكومة الإسبانية ورئيس حكومة الأندلس المسؤولية، عبر اتهامهم بـ”الصمت المتواطئ” و”العجز” عن الدفاع عن المصالح المحلية، في لغة شعبوية تنزع إلى تبسيط المشهد الاقتصادي وتعقيداته الجيوسياسية، وتُغذي الانقسام الداخلي أكثر مما تخدم مصالح الفلاحين أو المصنعين.
المغرب، من جانبه، لا يخفي تبنّيه سياسة “الدعم الذاتي” التي تهدف إلى تعزيز الإنتاج المحلي وتقليص التبعية للأسواق الأجنبية، في سياق عالمي يعيش تحولات عميقة وتنافسية شرسة. فرض الرسوم الجمركية ليس إجراءً عدائياً، بل خيار اقتصادي مشروع تمارسه جل دول العالم لحماية صناعاتها، ومن ضمنها دول الاتحاد الأوروبي نفسها، بما فيها إسبانيا.
تصريحات “فوكس”، وعلى لسان رودريغو ألونسو، سعت إلى تصوير المغرب كخصم اقتصادي غير نزيه، بل وذهب أبعد من ذلك حين تحدّث عن “مؤامرة اقتصادية” تقودها دول مثل المغرب والصين، في خطاب يغيب عنه التوازن ويخلو من أي تحليل موضوعي للواقع التجاري أو متطلبات الاتفاقيات الدولية التي تربط البلدين.
ومن الواضح أن “فوكس” يحاول استثمار هذا الملف لتقوية موقعه السياسي في مناطق مثل ألميريا وقادش، عبر اللعب على وتر “المظلومية الاقتصادية”، متناسياً أن العلاقات التجارية بين الرباط ومدريد تمرّ من خلال آليات معقّدة داخل الاتحاد الأوروبي، وأن إسبانيا لا تملك حرية مطلقة في تعديل سياساتها الجمركية بشكل انفرادي.
في مقابل هذا التصعيد، تحاول الحكومة الإسبانية الحفاظ على علاقة متوازنة مع المغرب، خصوصاً بعد سنوات من التوتر الدبلوماسي، ونجحت نسبياً في بناء جسور تعاون جديدة في مجالات الأمن والهجرة والطاقة. ومع ذلك، لا تزال بعض الأصوات اليمينية تدفع في اتجاه تحويل المغرب من شريك استراتيجي إلى “شماعة” تُعلّق عليها الإخفاقات الداخلية.
إن اختزال العلاقة مع المغرب في مجرد أرقام جمركية، دون النظر إلى عمق التبادل التجاري والمصالح المتبادلة، يضر بالمصالح الإسبانية قبل المغربية. كما أن تحميل الرباط وحدها مسؤولية عدم التوازن التجاري يغفل حقيقة أن الاختلالات لا تُعالج عبر الخطاب الشعبوي، بل من خلال مراجعات عادلة وهادئة لآليات الشراكة.