أنهت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الجدل حول حق الإجهاض بإصدارها قرارًا له وقع مزلزل. ويقضي على نصف قرن من الحماية الدستورية في واحدة من أكثر القضايا إثارة للانقسام في المشهد السياسي الأمريكي.
وانتقد الرئيس الأمريكي جو بايدن القرار الذي أصدرته المحكمة العليا الأمريكية بإبطال حكم أساسي في قضية حملت اسم (رو ضد وايد) بشأن الإجهاض. وقال إن صحة وحياة النساء في بلاده أصبحت الآن في خطر. وأضاف في خطاب بالبيت الأبيض بعد صدور الحكم “إنه يوم حزين للمحكمة وللبلاد”.
واتخذت المحكمة العليا في الولايات المتحدة اليوم خطوة جذرية وأبطلت حكما تاريخيا صدر في عام 1973 اعترف بحق المرأة الدستوري في الإجهاض.
وأيدت المحكمة بأغلبيتها المحافظة، في حكم صدر بتأييد ستة مقابل رفض ثلاثة أعضاء. قانونا صدر في ولاية مسيسيبي ودعمه الجمهوريون وتم بموجبه حظر الإجهاض بعد 15 أسبوعا من الحمل. وجاء التصويت بتأييد خمسة مقابل رفض أربعة لإبطال حكم قضية رو ضد وايد. إذ كتب كبير القضاة جون روبرتس بشكل مستقل إنه يدعم تأييد القانون الصادر في ولاية مسيسيبي لكنه لا يؤيد الخطوة الإضافية التي تلغي السابقة القانونية كليا.
وجاء في حيثيات الحكم الصادر في الموضوع أن الحكم الصادر عام 1973 في قضية (رو ضد وايد) وسمح بالإجهاض قبل أن يتمكن الجنين من الحياة خارج الرحم. بين 24 و28 أسبوعا من الحمل، كان خاطئا لأن الدستور الأمريكي لا يأتي بالتحديد على ذكر حقوق الإجهاض.
ومنذ صدور قرار المحكمة العليا الأمريكية في قضية (رو ضد وايد) الذي اعترف بحق المرأة في الإجهاض في جميع أنحاء البلاد في عام 1973. أصبحت القضية واحدة من أوضح الخطوط الفاصلة في السياسة الأمريكية مع دعم السياسيين الديمقراطيين بشدة حق النساء في الإجهاض واصطفاف المشرعين الجمهوريين في معارضته.
ما الذي تغير؟
كان الإجهاض عند الطلب مشروعا في أربع ولايات في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، بينما سمحت به 14 ولاية أخرى في بعض الظروف.
وبينما عارضت الكنيسة الكاثوليكية الإجهاض، كانت الكنيسة المعمدانية الجنوبية، وهي أكبر طائفة إنجيلية، تقول على المستوى الرسمي إنه يجب السماح به في كثير من الظروف. ولم يكن أي من الحزبين ينظر إلى الإجهاض على أنه قضية حاسمة.
الناخبون كذلك لم يكونوا ينظرون إلى القضية من منظور حزبي. فقد وجد استطلاع للرأي العام أجرته هيئة المسح الاجتماعي عام 1977 أن 39 بالمائة من الجمهوريين قالوا إنه يجب السماح بالإجهاض لأي سبب من الأسباب مقارنة بنسبة 35 بالمائة من الديمقراطيين.
في السنوات اللاحقة، بدأ نشطاء محافظين مثل فيليس شلافلي في طرح هذه القضية باعتبارها تهديدا للقيم التقليدية. وقاموا بحشد دعم الكنائس الإنجيلية التي أظهرت اهتماما على غير العادة بالسياسة بعد سلسلة من الأحكام القضائية التي قيدت إقامة الصلوات في الأماكن العامة.
صورت هذه المجموعات الإجهاض على أنه تهديد لنسيج الأسرة جنبا إلى جنب مع التطورات الاجتماعية الأوسع. مثل حقوق المثليين وارتفاع معدلات الطلاق وعمل النساء خارج المنازل. وقالت ماري زيجلر المؤرخة القانونية في جامعة كاليفورنيا ديفيز إن الإجهاض أصبح بالنسبة للقساوسة ورعية الكنائس قضية دالة على المخاوف بشأن مجتمع آخذ في التحرر.
الكنيسة المعمدانية تعارض الإجهاض
وفي عام 1980، أصدرت الكنيسة المعمدانية الجنوبية قرارا يعارض الإجهاض في ارتداد عن موقفها السابق.
كما منح فوز الجمهوري رونالد ريغان بالرئاسة في نفس العام معارضي الإجهاض مناصرا قويا لقضيتهم في البيت الأبيض. وفي الوقت نفسه، اكتسب نشطاء حقوق المرأة مزيدا من النفوذ داخل الحزب الديمقراطي ودفعوا قادة الحزب إلى دعم حقوق الإجهاض. لكن الدعم الذي حصل عليه حكم قضية رو لم يكن يتوافق بالضرورة مع التوجهات الحزبية.
وفي تصويت في مجلس الشيوخ عام 1983، صوت 34 جمهوريا و15 ديمقراطيا لصالح تعديل دستوري مقترح كان من شأنه أن يلغي الحكم في قضية رو. بينما صوت 19 جمهوريا و31 ديمقراطيا ضده. وكان بايدن من بين الذين صوتوا ضد التعديل، على الرغم من أنه أيده في صفوف اللجنة التي صاغته قبلها بعام.
تبدل سياسي
في السنوات التي تلت ذلك، أصبحت الخطوط الفاصلة أكثر وضوحا. حيث وجد المرشحون السياسيون أنه من الضروري بشكل متزايد أن يتوافقوا مع النشطاء الذين أصبحوا أكثر نفوذا داخل أحزابهم.
على سبيل المثال الجمهوري جورج بوش، وهو معارض للإجهاض أيد في السابق حقوق الإجهاض، فاز بالرئاسة في عام 1988. وفي عام 1992 هزمه الديمقراطي بيل كلينتون، مؤيد حقوق الإجهاض الذي عارض الإجهاض في وقت سابق.
منذ عام 1989، تبرعت مجموعات الدفاع عن حقوق الإجهاض بمبلغ 32 مليون دولار للديمقراطيين. وثلاثة ملايين دولار للمرشحين الجمهوريين الذين يدعمون الحفاظ على شرعية الإجهاض. بحسب موقع “أوبن سيكرتس” التي تتعقب حركة الأموال في السياسة. في المقابل، تبرعت الجماعات المعارضة للإجهاض بمبلغ 14 مليون دولار للجمهوريين و372 ألف دولار فقط للديمقراطيين خلال نفس الفترة الزمنية.
وبحلول مطلع القرن الحادي والعشرين، كان 31 بالمائة فقط من الجمهوريين هم من يؤيدون الإجهاض عند الطلب. بينما ظل الدعم الديمقراطي ثابتًا عند 45 بالمائة وفقا لاستطلاع لهيئة المسح الاجتماعي العام.
الفجوة تتسع
أظهرت استطلاعات رأي أخرى باستمرار أن معظم الأمريكيين يؤيدون وضع بعض القيود على الإجهاض لكنهم يعارضون حظره تماما. في الوقت نفسه، أصبح الديمقراطيون أكثر حزما في دعمهم لحقوق الإجهاض.
فبايدن، الذي كان يؤيد فرض حظر على التمويل الاتحادي لمعظم عمليات الإجهاض في برنامج (ميديك-ايد) المخصص لدعم الفقراء في معظم حياته السياسية. ارتد عن موقفه عندما كان يسعى للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة في عام 2020.
وفي الكونغرس الحالي، صوت نائب ديمقراطي واحد فقط في مجلس النواب. وعضو ديمقراطي واحد كذلك في مجلس الشيوخ ضد تشريع يجعل الإجهاض قانونيا على مستوى البلاد مهما كانت الظروف. وأخفق مشروع القانون في الحصول على موافقة مجلس الشيوخ. لكن الديمقراطيين قالوا إنهم يخططون لجعله قضية أساسية في انتخابات نونبر 2022.
وعلى مستوى الناخبين الديمقراطيين، قفز التأييد للإجهاض غير الخاضع لأي قيود من 56 بالمائة في عام 2016 إلى 71 بالمائة العام الماضي. وفقا لاستطلاع لهيئة المسح الاجتماعي العام، بينما لا يزال الدعم الجمهوري يحوم حول 34 بالمائة.
وأدانت رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، قرار المحكمة العليا ضد قانون الإجهاض الليبرالي بكلمات حادة. وقالت الديمقراطية بيلوسي: “إنه صفعة على وجه النساء”. وحذرت من أن تقييد الإجهاض ما هو إلا بداية، مبينة أن “هذا أمر خطير للغاية”.