لا يختلف إثنان على أن صبر الأمم المتحدة على استمرار ملف الصحراء المغربية مفتوحا في أروقتها ليس “بلا نهاية”؛ لكن السؤال هو: متى تقرر القوى العظمى أن الأوان قد آن لحسم الملف وسحب بعثة المينورسو؟!
هذه القناعة سبق وأن توصل إليها، وعبّر عنها بوضوح، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان عام 2002، عندما لخص الخيارات المتاحة لحسم قضية الصحراء في أربعة خيارات لا خامس لها:
أولها المضي في مقترح الاستفتاء دون انتظار موافقة الطرفين،
ثانيها المضي في تطبيق الحكم الذاتي دون انتظار موافقة الطرفين، ثالثها تقسيم الأقاليم الصحراوية بين المغرب وجبهة البوليساريو، ورابعها خروج المينورسو من الصحراء وترك الطرفين يواجهان مصيرهما.
إنه تهديد سرعان ما أثمر “تجاوب” الطرفين مع جهود الأمم المتحدة، وحذف الخيار الثالث (تقسيم الصحراء الذي رحبت به الجزائر!!) واقتصار الحل على مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب في 11 أبريل 2007، وخيار الاستفتاء الذي قدمته جبهة البوليساريو للأمين العام، قبل المقترح المغربي بيوم واحد (10/4/2007).
لكن منذ ذلك الوقت، “مرت مياه كثيرة تحت الجسر”، ولم تعد الأمم المتحدة تذكر كلمة الاستفتاء نهائيا في جميع قراراتها السنوية بمناسبة التجديد لبعثة المينورسو، حيث تفتتحها بعبارة “تنفيذ قرارات مجلس الأمن بدءا من القرار 1754 (2007)” دون الإشارة إلى ما قبله. نفس القرار دشن بالمناسبة فقرة ثابتة كذلك ” ترحب بالجهود المغربية المتســمة بالجدية والمصــداقية والرامية إلى المضي قدما بالعملية صوب التسوية”، مع الاكتفاء “بأخذ العلم” بمقترح البوليساريو لعام 2007 دون تفصيل؛ هذا على الرغم من الاعتراضات المتكررة لحلفاء الجزائر على هذه الجملة، التي تكرس برأيهم انحيازا لوجهة النظر المغربية.
هذا التجاهل الممنهج لخيار الاستفتاء، واعتباره “خيارا غير عملي أو واقعي”، توصل إليه المنتظم الأممي بعد جهود “عبثية” استمرت على مدى عقد كامل (منذ 1991 وحتى 2002) لتطبيق هذا الخيار دون نجاح، بسبب تعذر استكمال عملية تحديد هوية من يحق لهم المشاركة فيه من سكان الأقاليم الصحراوية، حيث توقفت العملية نهاية 1999بعد تأهيل 86381 صحراوي، وتعليق النظر في هوية 130 ألف طعن، لأفراد وجماعات طالبت بحقها في المشاركة في الاستفتاء.
وقد عبر عن هذه القناعة بوضوح الأمين العام كوفي عنان في تقرير لمجلس الأمن بتاريخ 22/6/2001، عندما نص على أنه “تبين لمنظمة الأمم المتحدة أن فرص إجراء الاستفتاء قد أصبحت شبه معدومة، وأن الأفضل هو البحث عن حل سياسي”.
كما تدرجت قرارات مجلس الأمن في عملية حذف كلمة وخيار الاستفتاء من بين خياراتها، بدءا من قرار مجلس الأمن رقم 1309 لعام 2000، بإدخال مصطلح “البحث عن حل سياسي” بجوار النص المعتاد على خيار الاستفتاء، قبل أن يبدأ في وضع الخيار الأخير (الحل السياسي) قبل خيار الاستفتاء، وذلك ما بين 2002 و2006، ليصل إلى الحذف التام لذكر كلمة الاستفتاء بدءا من 2007.
هذا التطور، حذف عمليا الخيار الأول من خيارات كوفي عنان (فرض الاستفتاء دون انتظار موافقة الطرفين)، وأبقى على الطاولة خيارين: اتفاق سياسي بين الطرفين حول مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية (أو فرضه في حال تعذر الاتفاق)، أو خروج الأمم المتحدة وترك المنطقة تواجه مصيرها، بمعنى الاعتراف بالواقع المتمثل في وجود المغرب في صحرائه وسيطرته الفعلية على كامل ترابه الوطني.
صحيح أن كل واحد من هذه الخيارات يبدو بعيد المنال، وأمامه عقبات عديدة قبل أن يرى النور، لكن الصحيح أيضا أن اعتماد أحدهما هو أمر محتوم، إذا لم يُرد للواقع الحالي أن يستمر إلى الأبد، ولن يستمر!! لكن التساؤل المشروع حاليا هو: متى سنرى إقفال هذا الملف باعتماد أحد الخيارين السابقين؟
ولنبدأ من الاحتمال الثاني، المتعلق بخروج المينورسو وسحب الأمم المتحدة يدها من القضية الصحراوية. من الواضح أن هذا الخيار غير مفضل للدول الكبرى وللأمم المتحدة (نظريا على الأقل) “حفاظا على حالة السلم في المنطقة، وعدم الرغبة في خلق بؤرة توتر جديدة”. نفس الأمر ينطق به حال البوليساريو، التي تدرك أنه لا قبل لها بمواجهة القوات المغربية شرق الجدار الأمني، بعد أن حرمتها من إمكانية دخوله أصلا. وبالتالي، فهذا الاقتراح وإن أفادها في استمرار “استثمارها” في معاناة الصحراويين في مخيمات تندوف (بمساعدة جنرالات الجزائر)، فهو يحمل في طياته بذور فنائها، والتعجيل في كتابة “شهادة وفاتها”. أما المغرب، فهو في وضع سياسي وعسكري مثالي، بحكم تفوقه الساحق في المجالين؛ مع تفضيله طبعا للخيار الأول الذي يقفل الملف نهائيا “بطريقة سلسة”.