الرباط، في 21 ماي 2021
إلى السيد بيدرو سانشيز
زعيم الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني
الرفيق بيدرو سانشيز،
أراسلكم اليوم في ظرف تمر فيه العلاقات بين بلدينا بأسوء مرحلة بعدما اختارت الحكومة الإسبانية التصعيد من خلال زيارتكم كرئيس حكومة لمدينة سبتة المحتلة ومن خلال نشر وحدات من الجيش الإسباني مما يشكل استعراضا مستفزا للقوة.
أسجل أيضا بكثير من الأسف التصرفات اللاإنسانية لقوات الاحتلال ضد المهاجرين، في خرق سافر لحقوق الإنسان والتزامات الاتحاد الأوربي فيما يخص ملف الهجرة، وذلك في الوقت الذي يبذل فيه المغرب جهودا جبارة على الصعيد القانوني والأمني والاقتصادي من أجل ضمان عيش كريم للمهاجرين المنحدرين من جنوب الصحراء بالمغرب خاصة بالنظر للمعاملة السيئة التي يتعرضون لها خلال مسارهم الى الحدود المغربية. بهذه الجهود يساهم المغرب بشكل كبير في التخفيف من حدة تدفق المهاجرين نحو أوربا.
وقد تلقيت باستغراب كبير موقف اللجنة الأوربية الذي تدعي من خلاله أن سبتة ومليلية هي جزء من الأراضي الأوربية، متجاهلة أنهما يقعان جغرافيا في القارة الأفريقية ويشكلان بقايا من التاريخ الإمبريالي والاستعماري المقيت لعدد من الدول الأوربية. وهكذا، فإن المغرب على غرار معظم الدول الأفريقية كان ضحية مؤامرات أوربية أدت إلى تقسيم أراضيه وقمع شعبه عن طريق ممارسات وحشية وصلت إلى حد استعمال الغازات السامة.
لدى أعتقد أن الوقت قد حان لنقاش هادئ ورزين حول مستقبل هاتين المدينتين مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح الساكنة الإسبانية والمغربية المقيمتين بهما.
من جانب آخر، أندد بالحملة الشرسة التي تشنها العديد من وسائل الإعلام الإسبانية ضد المغرب والمغاربة باستعمال عبارات عنصرية وقدحية ي تناقض تام مع مبادئ وأخلاقيات مهنة الصحافة. ويبدو أن هذه الحملة تشكل انعكاسا لمواقف الحكومة الإسبانية المتعلقة بصفة خاصة بملف الصحراء المغربية، والذي هو في الأصل نزاع مفتعل وحلقة من حلقات مسلسل المؤامرات الهادفة إلى تقسيم وتطويق المغرب. وهو الأمر الذي تجسد بشكل أساسي في الدعم المالي والإعلامي للانفصاليين وخلق محور مدريد-الجزائر، وكان من آخر تجلياته تزوير هوية ضيفكم، زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، الذي دخل التراب الإسباني خلسة للتهرب من متابعة العدالة الإسبانية، في تحد سافر لمصالح وحقوق الضحايا الأوربيين الذين رفعوا دعاوى قضائية ضده.
لقد قامت الحكومة الإسبانية، بتواطؤ مع الحكومة الجزائرية، بنقل زعيم البوليساريو عبر طائرة خاصة وتسهيل دخوله التراب الإسباني بأوراق هوية مزورة، وذلك بدون إخبار الحكومة المغربية. والأسوء من ذلك، فإن الحكومة الإسبانية أنكرت في البداية هذه الوقائع قبل أن تتعرف بوجودها. كل هذا يشكل ضربا لعلاقات حسن الجوار والثقة والشراكة التي تربط بين بلدينا.
وأظن أنه لا حاجة للعودة إلى “الأسباب الإنسانية المحضة” التي تعللت بها الحكومة الإسبانية من أجل استقبال إبراهيم غالي على أراضيها. فأي أسباب إنسانية تلك التي تستدعي دخول المعني بالأمر بهوية مزورة؟ ومن تعتقد الحكومة الإسبانية أنها ستقنع بادعاء الدافع الإنساني مع العلم أنها لم تلتفت نهائيا للاجئين بتندوف والذين يعانون من الفقر وغياب الخدمات الصحية، خاصة في هذه الظروف المرتبطة بالأزمة الصحية لكوفيد-19.
إن الحديث اليوم عن المسؤولية التاريخية أو الإدارية لإسبانيا على الأقاليم الصحراوية للمغرب ما هو إلا نوع من الحنين إلى الماضي الاستعماري البغيض والذي يتناقض مع القيم التي ندافع عنها كاشتراكيين ديمقراطيين. هل من الضروري التذكير بأن إسبانيا قد احتلت جزءا من شمال المغرب وسيدي إيفني وطرفاية والصحراء. وبعد استرجاع المغرب لهذه الأقاليم، الواحد تل والآخر، فإن إسبانيا لم تدع يوما بأن لها مسؤولية تاريخية تجاه ساكنة هذه الأقاليم. فلماذا، إذن، تصر إسبانيا على المطالبة بوصايتها ومسؤوليتها تجاه ساكنة الأقاليم الصحراوية على وجه الخصوص، مع العلم أن العالم بأسره، ولاسيما الأمين العام للأمم المتحدة، يشهد بما تنعم به هذه الأقاليم من سلم وأمن وتطور؟
وبناء عليه نعتقد أن كل تلميح إلى مسؤولية أو وصاية إسبانيا على الأقاليم الصحراوية هو فعل عدائي تجاه الشعب المغربي بخصوص قضية مركزية. وحتى على المستوى الدولي، المواقف تطورت بشكل كبير كما يتجلى من خلال الاعتراف بمغربية الصحراء من طرف الولايات المتحدة الأمريكية. هل من الضروري التذكير بأن أقاليم الصحراء أُدرجت في اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار بالأمم المتحدة بمبادرة من المغرب من أجل إنهاء الاحتلال الإسباني.
اليوم، يمكن التأكيد بأننا نعيش إحدى أخطر الأزمات في العلاقات بين المغرب وإسبانيا. ومع ذلك، أظل متفائلا بخصوص مآل هذه الوضعية التي من شأنها أن تدفع بنا في اتجاه معالجة جدية وجذرية لعلاقاتنا.
مع التذكير أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهذا ما اطلعتم عليه في إطار لقاءتنا بالأممية الاشتراكية ومختلف المحافل التي تضم العائلة الاشتراكية الديمقراطية، قام بمجهود جبار من أجل تسليط الضوء على حقيقة هذه القضية وتنوير الشركاء فيما يخص واقع النزاع الذي هو من بقايا الفترة الاستعمارية والحرب الباردة. وأنا على يقين تام بأن معظم مخاطبينا ورفاقنا يدركون أن تأبيد هذا النزاع وتغذيته يشكلان ضررا كبيرا على اللاجئين بالجزائر (تندوف).
اليوم، العالم بأسره يشهد على جودة الحياة والرخاء والسلام والحرية التي تنعم بها الساكنة في الأقاليم الصحراوية المغربية شأنها شأن باقي المواطنين المغاربة الذين يتطلعون لترسيخ المسار الديمقراطي واستدامة جهود التنمية. وهو ما تشهد به كل مواقف الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني (بما في ذلك برنامجكم الانتخابي).
وفي الأخير، أنا على يقين بأن أية قطيعة في العلاقات بين بلدينا ستضر بمصالح شعبينا. ولهذا السبب، فإننا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نأمل ألا نصل إلى هذه الوضعية، خاصة بالنظر للجهود التي بذلت خلال السنوات الأخيرة من أجل خلق مناخ مبني على الثقة بين المؤسستين الملكيتين، وحكومتي البلدين والشعبين، المغربي والإسباني، وبكل تأكيد، بين حزبينا السياسيين.
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يناشدكم بأن تعملوا على إيقاف الحملات الممنهجة التي تستهدف المغرب وعلى بناء علاقات صداقة وحسن جوار مبنية على الوضوح والمسؤولية السياسية والأخلاقية من أجل أن يعم السلام والأمن والتعاون في المنطقة.
أتمنى أن الجهود المبذولة لدعم الأصوات المطالبة بالاحترام المتبادل وبتقوية علاقات الشراكة ستلقى لديكم أذانا صاغية.
ادريس لشكر
الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية