بينما تترنح جبهات القتال في أوكرانيا دون تقدم يُذكر، تدور خلف الكواليس معركة من نوع مختلف تمامًا بين روسيا والغرب، لا يُسمع فيها دوي المدافع، لكن آثارها قد تكون أكثر عمقًا واستدامة. إنها معركة السيطرة على الطاقة النووية وسلاسل توريد اليورانيوم، حيث تلعب موسكو أوراقها بكفاءة استراتيجية لافتة.
في قلب هذا الصراع الصامت، تبرز “روساتوم”، الشركة النووية الحكومية الروسية، كلاعب لا يمكن تجاهله. فرغم العقوبات الغربية الكثيفة التي استهدفت قطاعات مختلفة من الاقتصاد الروسي منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، ظلت روساتوم خارج مرمى العقوبات، وكأن الغرب يعي تمامًا خطورة المساس بها في هذه المرحلة.
الشركة، التي تعمل كذراع نووي للكرملين، تحقق تمددًا مذهلًا على الخارطة الدولية، حيث تشرف على بناء 26 مفاعلًا نوويًا من أصل 59 قيد الإنشاء عالميًا — أكثر من أي دولة أخرى، ومعظمها في دول غير غربية. هذه الهيمنة تعني أن دولًا عدة سترتبط طويلًا بروسيا، فنيًا وماليًا، ما يمنح موسكو نفوذًا يتجاوز بكثير حدودها الجغرافية.
الأرقام تدعم هذا التصاعد: فقد ارتفعت عائدات روساتوم إلى 18 مليار دولار في عام 2024، بعد أن كانت 12 مليارًا فقط في 2022 — نمو بنسبة تقارب 50% خلال عامين. لكن الأهم من الأرقام هو الطموح الروسي الواضح: السيطرة على سلسلة القيمة النووية كاملة، من استخراج اليورانيوم وتخصيبه، إلى تصنيع الوقود وتشغيل وإيقاف المفاعلات.
هذه السيطرة تتيح لموسكو استخدام الطاقة النووية كأداة ضغط ناعمة — لكنها فعالة — في وجه الغرب، خاصة في لحظة تتحول فيها الطاقة إلى ورقة تفاوض حساسة، بل ووجودية، في السياسة الدولية.
وسط هذا المشهد، يبدو أن الغرب، رغم تفوقه العسكري والاقتصادي، يواجه تحديًا من نوع جديد: خصم لا يلعب فقط بقواعد اللعبة المعروفة، بل يعيد رسمها بأسلحة غير تقليدية — وأهمها، الذرة.