لم يكن شهر أبريل الجاري عادياً بالنسبة لروّاد صناعة العملات المشفرة، خاصة أولئك الذين راهنوا على مستقبل أكثر استقراراً في ظل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. فقد جاءت التطورات الأخيرة لتكشف عن مفارقة صارخة: الرئيس الذي حمل لواء “تحرير السوق” و”استعادة القوة الاقتصادية الأميركية” بات يُثقل كاهل أحد أكثر القطاعات دينامية بحزمة من الإجراءات الحمائية، التي لم تكن في حسبان حتى أكثر المحللين تشاؤماً.
في نوفمبر الماضي، استبشر الفاعلون في مجال تعدين وتداول العملات المشفرة بعودة ترامب، الذي طالما عبّر عن مواقف متساهلة نسبياً تجاه العملات الرقمية. وسرعان ما زاد هذا التفاؤل حين أعلن، في مارس الفائت، عن خطة لإنشاء احتياطي أميركي من العملات المشفرة يضم بيتكوين وإيثر وريبل وسولانا وكاردانو، في خطوة بدت، آنذاك، كإشارة قوية على نية إدارته تثبيت قدم الولايات المتحدة في سباق الرقمنة النقدية.
لكن ما لم يكن في الحسبان، هو أن هذا التوجه “الاحتوائي” سرعان ما اصطدم بجدار السياسات الحمائية التي أطلقتها واشنطن. ففي أبريل، أعلنت إدارة ترامب عن فرض رسوم جمركية جديدة شملت شركاء اقتصاديين رئيسيين، من الصين والاتحاد الأوروبي، إلى دول عربية مثل المغرب ومصر والسعودية. ورغم أن هذه الإجراءات استُهدفت بها قطاعات تقليدية في ظاهرها، فإن تبعاتها طالت مباشرة سوق العملات المشفرة.
ففي أقل من شهر، تبخرت مئات المليارات من القيمة السوقية للعملات الرقمية، وسُجّل أكبر انخفاض شهري لبيتكوين وإيثر منذ منتصف 2022، في وقت تجاوزت فيه عمليات التصفية المليارية حاجز 311 ألف متداول. واللافت أن هذا الانهيار لم يكن نتيجة خلل داخلي في البنية التقنية للعملات، بل بفعل موجة ذعر سببها السلوك غير المتوقع لإدارة لطالما رُوّج لها كصديقة للسوق الحر.
ومع محاولة البيت الأبيض احتواء التوترات من خلال تأجيل بعض الرسوم الجمركية، ارتفعت أسعار بيتكوين مؤقتاً فوق حاجز 92 ألف دولار، لكن سرعان ما عادت لتتراجع مع استمرار غياب رؤية واضحة ومستقرة للسياسات الاقتصادية.
وقد تزايد الجدل أكثر مع إعلان ترامب عن قمة خاصة بالعملات المشفرة داخل البيت الأبيض، ناقش خلالها إمكانية تقديم تخفيضات ضريبية على أرباح تداول العملات الرقمية. لكن هذه الخطوة بدت متأخرة، بل وربما انتقائية، في ظل تذبذب واضح في أولويات الإدارة بين دعم قطاع ناشئ ومغازلة القاعدة الانتخابية ذات النزعة الحمائية.
إن شهر أبريل، بهذا المعنى، شكّل لحظة فرز دقيقة لموازين القوى داخل إدارة ترامب: بين تيار يريد احتضان ثورة العملات المشفرة ضمن رؤية مستقبلية للهيمنة المالية، وتيار آخر يدفع نحو الانغلاق الاقتصادي من خلال سلاح الرسوم. وبين هذا وذاك، يجد المستثمرون أنفسهم مرة أخرى أمام الحقيقة القديمة الجديدة: لا مستقبل للعملات المشفرة دون سياسات مستقرة… حتى في عهد من يُقدَّم كعرّاب السوق.