أثار النائب البرلماني يوسف بيزيد، عن فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، قضية حجز شواهد الباكالوريا وبيانات النقط من طرف بعض مؤسسات التعليم الخصوصي، موجهاً سؤالاً كتابياً إلى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة، حول ما وصفه بـ”ممارسات غير قانونية” تهدف إلى الضغط على الأسر لأداء مستحقات مالية محل خلاف، عبر احتجاز وثائق دراسية تُعد حقاً أصيلاً للتلاميذ.
القضية، التي تتكرر مع نهاية كل موسم دراسي، تكشف عن أزمة أعمق في العلاقة بين الأسر ومؤسسات التعليم الخاص، حيث تتحول الوثائق الدراسية من أدوات إدارية إلى وسائل للابتزاز المالي، تُمارس في غياب تدخل صارم من الجهات الوصية. ورغم أن القانون واضح في هذا الباب، فإن غياب التنزيل الفعلي والتأطير التنظيمي الصارم جعل من هذه الظاهرة واقعاً مقلقاً داخل المنظومة التعليمية.
من الناحية القانونية، لا يوجد أي نص يخول لمؤسسة تعليمية، كيفما كانت طبيعتها، الحق في حجز أو حجب شهادة دراسية عن تلميذ، حتى في حالة وجود نزاع مالي مع أسرته. فالشهادات الدراسية، وعلى رأسها شهادة الباكالوريا وبيانات النقط، تُعد وثائق رسمية تصدر باسم الدولة ولا تخضع لملكية المؤسسة التعليمية، بل تُعتبر من الحقوق غير القابلة للتصرف أو التفاوض. ووفقًا للمبادئ العامة لقانون الالتزامات والعقود، فإن الخلافات التعاقدية تُعرض على القضاء المختص، لا تُحل عبر حرمان التلميذ من وثيقة هي بمثابة هويته الأكاديمية.
كما أن القانون الإطار رقم 17.51، الذي يشكل حجر الزاوية في إصلاح التعليم بالمغرب، ينص بوضوح على ضمان حق التلميذ في التعليم دون تمييز، وعلى مسؤولية الدولة في تأمين هذا الحق، سواء في التعليم العمومي أو الخصوصي. وعليه، فإن مسؤولية وزارة التربية الوطنية لا تقف عند حدود التوجيه الإداري، بل تمتد إلى ضمان ألا تتحول المؤسسات التربوية إلى فضاءات لممارسات تمس كرامة التلميذ وتعرقل مساره التعليمي.
إلى جانب ذلك، يعاني قطاع التعليم الخصوصي من غياب عقود نموذجية موحدة تنظم العلاقة بين الأسر والمؤسسات. فالعقود الحالية، التي تُبرم غالباً بشكل انفرادي وغير خاضع لأي رقابة، تتيح للمؤسسات تفسير الالتزامات على نحو يُفضي في كثير من الحالات إلى نزاعات، تتخذ فيها بعض المؤسسات موقفاً أحادياً يضرب مبدأ الإنصاف. وفي غياب إطار قانوني موحّد وملزم، يجد الآباء أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما الانصياع لمطالب مالية يعتبرونها غير قانونية، أو التضحية بمستقبل أبنائهم الأكاديمي.
ويثير هذا الوضع أيضاً تساؤلات حول دور المفتشيات الجهوية والأكاديميات في مراقبة احترام مؤسسات التعليم الخصوصي لحقوق التلاميذ، ومدى قدرة الوزارة على تفعيل آليات زجرية ضد الجهات التي تتورط في حجز الشهادات أو تُمارس ضغوطاً خارج الإطار القانوني. إذ بدون تدخل حازم وفعّال، فإن هذه الممارسات ستستمر في تكريس مناخ من الفوضى القانونية واللايقين داخل قطاع حساس وحيوي مثل التعليم.
إن استمرار هذا الوضع على ما هو عليه يُهدد صورة المدرسة الخاصة، ويحولها من فضاء يفترض فيه دعم التلميذ وتوفير بيئة تعليمية بديلة، إلى أداة للمقايضة والضغط، مما ينسف مبدأ تكافؤ الفرص ويُعمق الفجوة بين الخطاب الإصلاحي الذي تتبناه الدولة والواقع العملي الذي تعيشه آلاف الأسر.
وبناء عليه، فإن دعوة النائب البرلماني يوسف بيزيد للتدخل العاجل لا تُعد فقط مطلباً سياسياً مشروعاً، بل هي صرخة تحذير ضد تآكل ثقة الأسر في النظام التربوي ككل. وإذا لم تُتخذ إجراءات قانونية وتنظيمية عاجلة، فإن شواهد الباكالوريا ستظل رهينة في مؤسسات لا ترى في التعليم سوى خدمة تجارية، وتغفل أن مخرجاتها تؤثر في مستقبل أجيال بأكملها.