أبرزت صحف عالمية آخر تطورات الأوضاع الميدانية للحرب الروسية الأوكرانية، وسط حديث عن هجوم أوكراني مضاد في جنوب البلاد لاستعادة مدينة خيرسون التي تسيطر عليها روسيا. وقالت الصحف إن أوكرانيا تكافح لإظهار قوتها لداعميها الغربيين لإقناعهم بأن الحرب ”ليست قضية خاسرة“.
وناقشت الصحف تقارير تكشف عن ”نفق مظلم“ في العلاقات النووية بين الولايات المتحدة وروسيا يهدد بانفصال دبلوماسي بين البلدين، في خطوة محفوفة بالمخاطر تؤرق العالم بأسره، إلى جانب الأوضاع المظلمة في العراق.
نقطة تحول في الحرب
ذكرت صحيفة ”وول ستريت جورنال“ الأمريكية أن أوكرانيا تحاول جعل هجومها المضاد المزعوم في جنوب البلاد ”نقطة تحول“ في الحرب، إذ تتطلع كييف إلى إثبات قدرة قواتها على استعادة الأراضي ودفع القوات الروسية الراسخة بعيدا.
وقالت الصحيفة إنه ”بعد تصاعد الضربات بعيدة المدى على المنشآت العسكرية والجسور التي يستخدمها الروس في ظلام الليل في وقت مبكر من يوم الإثنين، شنت القوات الأوكرانية هجومًا في جنوب البلاد على طول الخطوط الأمامية، وذلك في واحد من المكاسب الرئيسة التي حققتها كييف في يومين من القتال“.
ورأت الصحيفة في تحليل لها أنه “ إذا كان بإمكان أوكرانيا الاستفادة من زخمها الأولي واستعادة الأراضي في الجنوب التي احتلتها روسيا في بداية غزوها، فإن ذلك سيقطع شوطًا طويلاً لتشكيل المرحلة التالية من الحرب“.
وأضافت الصحيفة أن ”المزيد من المكاسب الأوكرانية من شأنه أن يعزز الروح المعنوية الوطنية ويظهر للداعمين العسكريين والماليين للبلاد في الغرب – الذين ينتظرون شتاء قارسا بسبب موقفهم من الحرب – أن الجيش الأوكراني يمكنه إيقاف الروس واستعادة الأراضي أيضًا“.
وفي هذا الصدد، نقلت الصحيفة عن الميجور جنرال متقاعد بالجيش الأسترالي، ميك رايان، قوله ”لن يكون هذا أول هجوم كبير لهم فحسب، بل سيكون بمثابة إظهار للغرب أنه ينبغي عليهم مواصلة دعم أوكرانيا لإخراج الروس بالكامل من أراضيها.“
وأضاف رايان في حديثه مع الصحيفة أن ”التقدم الأوكراني سيكون حاسمًا أيضًا لسكان المناطق المحتلة الذين يأملون في أن تحرر أوكرانيا مدنهم“. وتابع ”أعتقد أن الأبعاد السياسية لهذا الهجوم لا تقل أهمية عن الأبعاد العسكرية“.
وأشارت الصحيفة إلى أن تصريحات مسؤولين أوكرانيين حذروا فيها من ”الإفراط في التفاؤل“ بشأن الهجوم الذي قالوا عنه إنه سيكون ”بطيئا وطاحنا“. وقال رايان ”ستكون هذه معركة صعبة للأوكرانيين. من الصعب تنسيق العمليات الهجومية ودعمها، مقارنة بالعمليات الدفاعية.“
واعتبرت الصحيفة أن هجوم الجنوب يعد أحدث ”علامة ملموسة“ على أن أوكرانيا تسعى لاقتناص زمام المبادرة، حيث شنت مجموعات التخريب الأوكرانية في وقت سابق من الشهر الجاري هجمات متكررة استهدفت قاعدة جوية ومستودع ذخيرة في شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في 2014.
من جانبه، قال اللفتنانت جنرال المتقاعد بن هودجز، القائد السابق للجيش الأمريكي في أوروبا، للصحيفة ”يمكن أن يشعر الأوكرانيون أن الزخم يتحول لصالحهم. وهذا سيجعل الأمر أكثر جدوى بكثير لمؤيدي أوكرانيا، وللأوكرانيين أيضا، في محو فكرة أن النصر الروسي أمر لا مفر منه“.
قضية خاسرة
في سياق متصل، رأت صحيفة ”التايمز“ البريطانية أن أوكرانيا في حاجة ماسة لإظهار عزيمتها للحلفاء لإقناعهم بأن الحرب ”ليست قضية خاسرة“، وأنه لا يزال بإمكانها استعادة الأراضي، وليس مجرد الدفاع عنها.
وعن توقيت الهجوم الأوكراني المضاد، قالت الصحيفة إن ”الخريف يجلب مخاطر جديدة – سياسيًّا وعسكريًّا – إذ تسعى موسكو لإجراء استفتاء في منطقة خيرسون الجنوبية بشأن ضمها إلى الأراضي الروسية الشهر المقبل، وبداية هطول الأمطار التي تحول ساحات القتال إلى مستنقعات موحلة يتفوق فيها الروس“.
وذكرت الصحيفة في تحليل لها ”كلما طال بقاء الخط الساحلي الجنوبي في أيدي روسيا، زاد ترسخه؛ ما يشكل تهديدًا وجوديًّا لاقتصاد أوكراني على وشك الانهيار دون دعم غربي.“
وأشارت الصحيفة إلى أن ”حزمة المساعدات الغربية الأخيرة، بما في ذلك الإعلان مؤخرًا عن 3 مليارات دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية، قد ساعدت بشكل كبير كييف على الإقدام على مثل هذه الخطوة، إذ تتضمن هذه الحزمة المعدات والمركبات التي سيتم استخدامها في الهجوم البري الجاري“.
مرحلة نووية خطيرة
وفي هذا الصدد، رأت صحيفة ”بوليتيكو“ الأمريكية أن ”العلاقات النووية“ بين روسيا والولايات المتحدة آخذة في الانخفاض، خاصة بعد الأعمال القتالية حول محطة زابوريجيا النووية في جنوب أوكرانيا والتي تحتلها موسكو منذ الأيام الأولى من الحرب.
وذكرت الصحيفة أن واشنطن وموسكو تدخلان ”نفقا مظلما“ من العلاقات النووية؛ ما ينذر بعواقب ”خطيرة وغير معروفة“، مشيرة إلى أن الأوضاع الميدانية حول المحطة الأوكرانية ”قد تسمم مناقشات الحد من التسلح“ وتغذي المخاوف من انفصال دبلوماسي وشيك بين البلدين.
وقالت الصحيفة في تحليل لها ”عندما التقى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، والزعيم الروسي، فلاديمير بوتين، وجها لوجه العام الماضي، ناقشا بفخر كيف يمكن لواشنطن وموسكو التعاون في القضايا النووية حتى في فترات التوتر.“
وأضافت أنه في المقابل، وبعد مرور عام ونشوب حرب، يبدو أن هذا التعاون الوجودي أصبح ”هشًّا للغاية“، إذ أدى القتال الدائر حول محطة زابوريجيا إلى ضخ ”حالة جديدة من عدم اليقين في العلاقة النووية بين الولايات المتحدة وروسيا“ التي كانت تعاني بالفعل نتيجة الغزو والعقوبات الأمريكية والأوروبية اللاحقة على موسكو.
وتابعت الصحيفة ”لكن الغزو وتداعياته أثّرا على مجموعة من القضايا الأخرى المتعلقة بالمجال النووي، من المحادثات النووية الإيرانية إلى المناقشات الدولية الأخيرة حول معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وهي اتفاقية أساسية.“
وأردفت ”كانت روسيا والولايات المتحدة متشابكتين أيضًا بشأن عمليات التفتيش على منشآت الأسلحة النووية لكل من الجانبين التي تسمح بها (معاهدة ستارت الجديدة). هناك مخاوف من أن هذه المعاهدة، وهي آخر معاهدة للحد من الأسلحة بين البلدين، لن يتم تجديدها أو استبدالها إذا تفاقمت التوترات بين القوتين النوويتين.“
وقال داريل كيمبال، المدير التنفيذي لـ“رابطة الحد من التسلح“، للصحيفة ”أعتقد أن كلا الجانبين لهما مصلحة في استمرار معاهدات الحد من التسلح. إنها ليست مجرد علاقات عامة. السؤال هو هل يمكنهما التغلب على كل هذه المشكلات والعقبات الأخرى التي أوجدتها الحرب الروسية الأوكرانية؟“
في غضون ذلك، أشارت الصحيفة إلى أن التوترات حول محطة زابوريجيا الأوكرانية قد امتدت إلى المحادثات الدولية الأخيرة بشأن مؤتمر لمراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، حيث منعت روسيا وثيقة نهائية كان من شأنها أن تلخص الاستنتاجات من المراجعة لأنها اعترضت على الصياغة المقترحة لمناقشة الوضع في محطة الطاقة.
وبعد أن وصفت واشنطن الخطوة بـ ”العرقلة الروسية الساخرة“، قال كيمبال – الذي شارك في الحدث – إن مسودة الوثيقة تضمنت لغة تعهدت فيها روسيا والولايات المتحدة بمواصلة المحادثات بشأن خليفة ”معاهدة ستارت الجديدة“ بحسن نية، في إشارة إلى أن موسكو لا تزال منفتحة على الحد من التسلح بشكل عام.
وأوضح كيمبال في هذا الشأن أن القسم الخاص بمحطة الطاقة الأوكرانية كان مخالفًا لأهداف الحرب الروسية، ما أدى إلى حذفها من الوثيقة بأكملها. وقالت الصحيفة ”اشتكت روسيا من أن العقوبات الأمريكية تعرقل قدرتها على إجراء عمليات تفتيش كجزء من المعاهدة.“
واختتمت الصحيفة تحليلها بالقول ”لا تزال هناك مخاوف من أن الشراكة الإيرانية الروسية المتنامية ستمنح كلا البلدين على المدى الطويل بعض الراحة من أنظمة العقوبات المختلفة التي يواجهانها.“
”مسألة مميتة“ في العراق
وفي العراق، سلطت صحيفة ”نيويورك تايمز“ الضوء على آخر مستجدات الأوضاع وأعمال العنف التي تضرب البلاد منذ يومين، على خلفية استقالة رجل الدين الشيعي البارز، مقتدى الصدر، الحياة السياسية والتي أعقبها اشتباكات عنيفة بين أنصاره وميليشيات شيعية معارضة.
وقالت الصحيفة في تحليل لها إن الفصائل السياسية الشيعية قد بدأت ”مرحلة قاتلة جديدة“، بعدما وجهت بنادقها على بعضها البعض، مشيرة إلى أنه مع عدم وجود حكومة فاعلة وأرضية مشتركة، أصبحت التوترات بين هذه الفصائل السياسية ”مسألة مميتة“ في العاصمة، بغداد، الأسبوع الجاري.
وذكرت الصحيفة ”الآن، اندلعت الخلافات طويلة الأمد بين بعض الفصائل الشيعية وتحولت إلى قتال مميت في شوارع بغداد، ما أسفر عن مقتل 24 شخصًا. وأثارت الاضطرابات مخاوف من وقوع البلاد في دائرة محفوفة بالمخاطر مع عدم وجود حكومة عاملة وعدم وجود أرضية مشتركة لتشكيل حكومة.“
وأضافت ”على الرغم من أن الاضطرابات السياسية واحتجاجات الشوارع شائعة في العراق، فقد كشفت هذه الجولة من العنف عن مخاطر حدوث مزيج قوي من الشلل السياسي، وانهيار مؤسسات الدولة، والتنافس المتصاعد بين الجماعات الشيعية التي تدعمها إيران وفصيل قومي عراقي بقيادة الصدر.“
وكانت أعمال العنف بدأت، الإثنين، بعد أن أعلن الصدر في تغريدة أنه سيترك السياسة العراقية. واقتحم أتباعه المنطقة الخضراء شديدة التحصين، ونهبوا المباني الحكومية. وسعى الصدر أمس، الثلاثاء، إلى نزع فتيل العنف، داعيا أتباعه إلى التراجع ومغادرة المنطقة الخضراء.
وقالت الصحيفة ”على الرغم من أنها لم تدم طويلاً، إلا أن اندلاع الاشتباكات القاتلة ترك بعض العراقيين يهتزون من الخوف من أن البلاد قد تنحدر مرة أخرى إلى دائرة العنف الطائفي التي لا نهاية لها على ما يبدو والتي ابتليت بها بلادهم على مدى العقدين الماضيين.“
وأضافت ”في السنوات الأخيرة، أصبحت الخصومات بين الشيعة المحرك الرئيس لعدم الاستقرار السياسي العراقي، إذ أصبحت الميليشيات الشيعية – المدعومة من طهران – جزءًا دائمًا من قوات الأمن التابعة للحكومة العراقية، وبعضها مسؤول أمام النظام الإيراني أكثر من بغداد.“
وتابعت ”الصدر هو زعيم معارضة شيعية منافسة، وقد تأججت حركته السياسية جزئيًّا بسبب انعدام الثقة المستمر في إيران الذي ولد في الحرب المدمرة بين الدولتين المتجاورتين في الثمانينيات وتشكلت على مدار سنوات من التلاعب والتدخل الإيراني في شؤون العراق.“
وأردفت ”كان يُنظر إلى الانتخابات التي جرت في أكتوبر من العام الماضي على أنها بداية جديدة للبلاد، والتي جاءت استجابة للاحتجاجات الحاشدة ضد حكومة فاسدة ومختلة وظيفيًّا. وبدلاً من ذلك، أدى ذلك إلى المأزق السياسي الحالي.“