في واحدة من أكثر اللحظات إثارة للجدل في السياسة الأمريكية الحديثة، يعود دونالد ترامب إلى واجهة النقاش الدستوري، ليس فقط بسبب مواقفه الصاخبة أو خطابه الشعبوي، بل بسبب طريقة توظيفه لصلاحيات الطوارئ، وتحويلها إلى أداة شبه يومية للحكم. فبحسب تقرير لموقع “أكسيوس”، استخدم ترامب سلطات الطوارئ الوطنية بشكل يفوق أي رئيس سابق خلال أول مئة يوم من ولايته، متجاوزاً بذلك الإطار التقليدي الذي صُممت هذه الصلاحيات لأجله.
من حيث المبدأ، أُنشئت قوانين الطوارئ لتكون صمّام أمان لمواجهة الأزمات النادرة التي تتطلب تدخلاً سريعاً واستثنائياً، كالكوارث الطبيعية أو التهديدات الأمنية المباشرة. غير أن ترامب، كما يحذّر عدد من الخبراء، أعاد تعريف هذه الصلاحيات، مستغلاً ما يصفه البعض بـ”المرونة القانونية الخطيرة”، ليعلن حالات طوارئ لا تستند دائماً إلى معايير واضحة أو ضرورات حقيقية.
التحذير الأهم لا يخص فقط الكم غير المسبوق لإعلانات الطوارئ، بل يكمن في التوجه نحو جعل هذه الصلاحيات أداة محورية في تنفيذ أجندة سياسية لا تمر عبر المسارات الديمقراطية المعتادة، أي التشريع والمساءلة داخل الكونغرس. هذه الممارسة تثير سؤالاً مقلقاً حول مستقبل توازن السلطات في الولايات المتحدة: إلى أي حد يمكن لرئيس أن يوسع من نفوذه تحت غطاء “الضرورة”؟
ويرى بعض المحللين أن هذه السابقة قد تفتح الباب أمام رؤساء قادمين لتكرار النهج ذاته، مما ينذر بتآكل تدريجي للأعراف الدستورية، وتحوّل الاستثناء إلى قاعدة، والحكم الفردي إلى واقع مؤسساتي مقنن.
ويرى الخبراء أنه في ظل هذا الواقع، تبدو الحاجة ملحة لإعادة النظر في الإطار القانوني لصلاحيات الطوارئ، وتقييد استخدامها بشروط صارمة وآليات رقابة أكثر صرامة. ويضيفون ان الديمقراطية لا تُختبر فقط في صناديق الاقتراع، بل في قدرتها على صدّ تغول السلطة التنفيذية، مهما كان الظرف أو الخطاب المرافق.
ترامب لم يغيّر قواعد اللعبة فقط، بل أظهر مدى هشاشتها.