قبل انتخابات 2021، وعد حزب التجمع الوطني للأحرار المغاربة بمغرب جديد: مغرب يوفر مليون منصب شغل، ويعمّم التغطية الصحية، ويعيد الثقة للمواطن في مؤسساته. وبعد مضي ما يقارب ثلاث سنوات على وصوله إلى رئاسة الحكومة، يجد عزيز أخنوش نفسه في مرمى الانتقادات المتصاعدة، حيث يعتبره كثيرون رجل أعمال ناجحاً، لكنهم يشككون في قدرته على تحويل هذا النجاح الاقتصادي إلى أداء سياسي يلبي انتظارات الشارع المغربي.
عزيز أخنوش لا يُعرف فقط كرئيس للحكومة، بل هو أيضاً أحد أثرى رجال الأعمال في إفريقيا، وتعود له ملكية مجموعة اقتصادية كبرى تتحكم في قطاعات حيوية مثل المحروقات والتوزيع والاتصالات. هذا التداخل بين النفوذ الاقتصادي والسلطة السياسية يثير منذ سنوات نقاشاً واسعاً حول تضارب المصالح، وجدوى الموازنة بين منطق السوق ومبادئ التمثيل الديمقراطي. وفي الوقت الذي ترتفع فيه أسعار المحروقات وتكاليف المعيشة، يتساءل المواطن البسيط: هل يمكن الوثوق في حكومة يرأسها من يتحكم عملياً في مفاصل الاقتصاد؟
الوعود التي أطلقت خلال الحملة الانتخابية كانت طموحة: خلق مليون منصب شغل، دعم الطبقات الفقيرة والمتوسطة، تقليص نسب البطالة، ومحاربة اقتصاد الريع. لكن الأرقام الرسمية تقول غير ذلك. فحسب المندوبية السامية للتخطيط، لم تتجاوز مناصب الشغل المحدثة منذ 2021 حدود 190 ألفاً، بينما تفيد نفس المؤسسة بخسارة مئات الآلاف من فرص العمل في القطاع الفلاحي لوحده. أما معدل البطالة، فقد تجاوز 13.5% خلال الربع الأول من 2025، في وقت يشهد فيه الاقتصاد الوطني تباطؤاً واضحاً في وتيرة خلق فرص الشغل، خصوصاً في صفوف الشباب وحاملي الشهادات.
من جهة أخرى، لا يمكن إنكار بعض الإنجازات التي تُحسب للحكومة، مثل تعميم التغطية الصحية لأكثر من 11 مليون مغربي وتوسيع قاعدة الحماية الاجتماعية، لكن هذه المكاسب تبقى محدودة في تأثيرها على تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، في ظل التضخم الذي تجاوز 5.2%، وارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة وصلت إلى 15% في بعض الحالات. هذا الواقع زاد من تعميق الفجوة بين الخطاب الرسمي والتجربة اليومية للمواطن، الذي بات يشعر بأن الحكومة بعيدة عن همومه، ولا تملك حلولاً ملموسة لمشاكله.
في هذا السياق، أصبح من اللافت حجم الجهد الذي يُبذل في تلميع صورة رئيس الحكومة، سواء عبر الإعلام الرسمي أو وسائل التواصل الاجتماعي، في مقابل تغييب النقاش الجدي حول السياسات العمومية والاختيارات الكبرى. وكثيراً ما يُتهم المنتقدون بـ”السوداوية” أو “العدمية”، بينما تتسع دائرة السخط الشعبي، ولو بشكل غير مؤطر، من خلال مظاهر مثل العزوف السياسي، وتراجع الثقة في المؤسسات، وحتى ارتفاع الرغبة في الهجرة.
حتى داخل البرلمان، تتردد انتقادات صريحة لأداء رئيس الحكومة، من طرف برلمانيين يرون أن حضوره باهت، وتواصله ضعيف، وقراراته لا ترقى إلى مستوى الانتظارات. وفي المقابل، لم تتمكن المعارضة من استثمار هذا التململ الشعبي لتقديم بديل سياسي واضح أو تعبئة الشارع، وهو ما زاد من الإحساس بغياب خيارات حقيقية.
من هنا يطرح السؤال نفسه بإلحاح: هل عزيز أخنوش هو سبب الأزمة السياسية الراهنة، أم أنه مجرد تجلٍّ لأزمة أعمق تضرب النموذج التنموي والسياسي برمته؟ فالمشكل لا يتعلق فقط بشخص رئيس الحكومة، بل بنمط من الحكم يُفَضِّل التكنوقراطية على الفعل السياسي، ويراكم الحلول التقنية بدل الإصلاحات الاجتماعية البنيوية.
المؤكد أن السنوات المقبلة ستشكل اختباراً حقيقياً لرئيس الحكومة وحزبه، فإما أن يتمكنا من ترجمة خطاب الوعود إلى سياسات فعالة تمسّ حياة المواطن، أو يظلا أسيرين لمعادلة الجمع بين الثروة والسلطة، وهي المعادلة التي وإن كانت ناجحة في الأسواق، فإنها كثيراً ما تفشل في كسب ثقة الشعوب.