ما يجري بتونس يبرز أزمة الديمقراطية التمثيلية وحدودها، فالبلد الذي خرج من انتفاضة شعبية، والذي نظم على مدى عشر سنوات انتخابات من كل نوع ، لم يجد طريقه إلى النهضة المأمولة، كما أن حسابات القوى السياسية المتبارية على الساحة وصراعاتها الهامشية، لم تنفع في إخراج البلد من عنق الزجاجة، بل أغرقته عكس ذلك في متاهات لا مخرج منها. كما جعلت نسبة الاحتقان الاجتماعي تتزايد وتنذر بالأسوأ.
ما أقدم عليه رئيس الجمهورية من تجميد للبرلمان وإقالة للحكومة ليس “انقلابا” كما يزعم الخاسرون في هذه العلمية، بل ربما هو المخرج الوحيد من “البلوكاج” الذي تعيشه الدولة منذ سنوات، والذي أدى إلى سحب الشعب التونسي لثقته من المؤسسات القائمة، والمطلوب حاليا تدبير ظرفي وآخر استراتيجي، أما الظرفي فهو تعيين حكومة كفاءات وطنية لتدبير مرحلة انتقالية، وإيجاد الحلول للمشاكل المستعجلة، قبل تنظيم انتخابات مقبلة. أما الاستراتيجي فهو بناء تعاقد وطني صلب تجد فيه جميع الأطراف نفسها، ويتجاوز حدود توافقات سنة 2011، والعمل على تغيير منطق الأغلبية والأقلية الذي أسيء استعماله حتى الآن من قبل من يسعى إلى الهيمنة على الدولة دون أن ينجح سوى في إثارة الزوابع، وتعويضه بمقاربة ديمقراطية تشاركية يغلب فيها الهمّ الوطني على الإيديولوجي، وتستعين بكل كفاءات البلد من أجل الخروج من الضائقة الحالية.