ألقى السيد الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة كلمة بمناسبة الندوة الوطنية حول موضوع التحقيق المالي الموازي في جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب على ضوء مستجدات القانون رقم 12-18، بحضور كل من رئيس الهيئة الوطنية للمعلومات المالية.
وافتتح الوكيل العام للملك كلمته ب: “نعيش اليوم في عالم متحرك حيث لاحدود أمام حركة الأموال والمعاملات التجارية، وإذا كان هذا الوضع نتيجة طبيعية لمستوى النمو الاقتصادي العالمي باعتباره إحدى تجليات العولمة، فإنه بالمقابل تزامن مع ظواهر إجرامية خطيرة يستغل فيها المجرمون ما تتيحه وسائل التجارة والمال والاعمال والتكنولوجيا الحديثة من إمكانيات هائلة لارتكاب الجرائم وتمويل أنشطة إجرامية أخرى وعلى رأسها غسل الأموال”.
الإجرام المالي
وأفاد على أن إذا كان الإجرام المالي عموما يتميز بنوع من التعقيد وصعوبة الإثبات، فإن جرائم غسل الأموال تبقى أكثر تعقيدا وتنفلت بطبيعتها من إمكانيات الإثبات الجنائي الكلاسيكي، بالنظر إلى تدخل عدة أطراف في ارتكابها واستعمال عدة أساليب وطرق لتمويه المصدر غير المشروع للأموال، لذلك يبقى الجمع بين وسائل البحث الكلاسيكية والبحث المالي الموازي وتقنيات البحث الخاصة، المدخل الأساسي لتطويق جريمة غسل الأموال وكشفها وتقديم مرتكبيها إلى العدالة.
غير أن نجاح البحث المالي الموازي في دعم البحث الجنائي يتوقف بشكل كبير على تظافر الجهود والتنسيق بين أجهزة الإشراف والمراقبة والأشخاص الخاضعين والهيأة الوطنية للمعلومات المالية والنيابة العامة والشرطة القضائية في إطار تكامل الأدوار وتبادل المعلومات.
وفي الصدد ذاته، أشار إلى أن تكوين وتأهيل الموارد البشرية المكلفة بمحاربة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرٍهاب يكتسي أهمية بالغة في مسار تطويق هذه الظواهر الإجرامية خاصة على مستوى تنمية قدرات الأجهزة المكلفة بالبحث والتحقيق في هذه الجرائم، لا سيما فيما يتعلق بموضوع التحقيقات المالية الموازية الذي كان ضمن التوصيات الأساسية التي أقرتها مجموعة العمل المالي لشمال إفريقيا والشرق الأوسط في تقرير التقييم المتبادل الخاص ببلادنا.
ولفت إلى أن نجاح هذه الأجهزة خلال البحث والتحقيق في إحدى الجرائم الأصلية من خلال فتح بحث مالي بالموازاة مع البحث الجنائي التقليدي من أجل الكشف عن المتحصلات المالية للجريمة وتعقبها وتوجيه إنتدابات بشأنها إلى الهيئات والمؤسسات المختصة للكشف عن حساباتهم البنكية وممتلكاتهم العقارية والمنقولة ومن تم تقديم الأدلة لربط تلك المتحصلات المالية بالجريمة الأصلية، سيساهم لا محالة في تجويد المعالجة القضائية لقضايا غسل الأموال وتعقب الأموال والمتحصلات وحرمان المجرمين من الإنتفاع منها.
التحقيقات المالية
وأضاف، أن التحقيقات المالية الموازية تعتبر من مدى نجاحها في الوصول إلى تحقيق الهدف الأساسي منها والمتمثل في مصادرة متحصلات الجريمة معيارا مهما يتحدد على أساسه مدى إلتزام الدولة بمتطلبات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإٍرهاب وفقا لمعايير مجموعة العمل المالي، ويعتبر ذلك عاملا حاسما في تقييمها على المستوى الدولي ومن تم رفعها من قائمة الدول عالية المخاطر.
وبالنظر لأهمية هذا الموضوع، فقد عملت رئاسة النيابة العامة على إيلائه أهمية بالغة من خلال التعليمات التي وجهت إلى النيابات العامة على الصعيد الوطني من خلال الدورية عدد 48 س/ ر ن ع بتاريخ 14 نونبر 2019.
ويذكر أن التعديلات التشريعية الجديدة التي جاء بها القانون 18-12 المتعلق بمكافحة غسل الأموال والمتمثلة أساسا في تعميم الإختصاص القضائي في جرائم غسل الأموال على محاكم الدار البيضاء وفاس ومراكش إلى جانب محاكم الرباط، سوف تساهم في تخفيف الضغط على هذه الأخيرة التي كان لها إختصاص وطني.
وخلص، إلى أن التعديلات التشريعية والآليات المؤسساتية وإن كانت ضرورية، إلا أنها غير كافية لوحدها للحد من المخاطر المستجدة لجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب والكشف عن مرتكبيها وتقديمهم للعدالة.