واحة زيز، إحدى عجائب الطبيعة الخلابة في إقليم الرشيدية، شهدت مؤخرا استنزافاً لا مثيل له في إطار الجهود المبذولة تحت مظلة ما يسمى بمخطط المغرب الأخضر، والتي رُمِيَ بها إرث معمّر وتاريخ عريق في أعماق النسيان.
الواحة التي كانت ذات مرة تعتبر الأكبر في أفريقيا، تواجه اليوم خطر الاندثار وسط أزمة مائية خانقة بسبب حفر الآبار الجائر إثر زيادة الضيعات الفلاحية الضخمة المملوكة للمستثمرين الذين رأوا في أراضيها إمكانات للربح السريع على حساب الأهالي المحليين.
في إحدى تعليقات المواطنين، ثمّة استغاثة بأن يتم إلقاء الضوء على هذه الأزمة البيئية والاجتماعية، وكشف الستار عن الفساد المتجذر الذي فتك بالواحة وأهلها، الذين حُرموا من أبسط حقوقهم في الاستفادة من تراثهم العريق ومنابع مياههم الغنية، التي جرى استنزافها دون مراعاة للعواقب الوخيمة.
صورة أخرى للواحة تُظهر التحول المأساوي في المشهد الزراعي للجنوب الشرقي، حيث العصر الجديد من الضيعات يلتهم البساتين الصغيرة بلا رحمة، تاركاً وراءه مجتمعاً متجذراً في الأرض ينزف جراء فقدان مورد رزقه التقليدي وأسلوب عيشه البسيط.
إن الوقت لا يزال لمصلحتنا لندرك أن الثمن الذي سيدفعه المواطن جراء تراجع هذه الواحة قد يفوق أي مكسب مالي قصير الأمد. الرشيدية، ومعها إقليم زيز، تستحق أن يُحفَظ تراثها ويُدار موردها المائي بعناية فائقة لتبقى شاهدة على إبداع الإنسان وعظمة الطبيعة منذ قرون.
نهيك عن الحرائق المتكررة والغامضة التي تُلقي بظلالٍ من الشك والقلق حول مستقبل واحة زيز. فما هي حقاً أسباب هذه الحرائق؟ هل هي مصادفة قاسية أم ثمة نية مبيتة لمحو أثر هذه الواحة الخصبة؟
وفي غمرة تساؤلات لا حصر لها، يبقى المجتمع المدني والمحلي أمام تحدٍ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والمطالبة بمحاسبة الفاسدين وضمان إجراءات تضمن تدبير مُستدام للموارد الطبيعية بما يحفظ حقوق الجميع ويُعيد لواحة زيز مجدها وخيرها لأبناء المنطقة وللعالم أجمع.
نحو مستقبل أفضل، ولمعالجة جرح ينزف في صمت، المجتمع المدني ووسائل الإعلام مدعوان اليوم لتفعيل دورهما المُحفز للشهادة على حقيقة ما يجري والعمل من أجل تغيير حقيقي وعادل.