أرض منطقة «فكيك» وأناسها يتذكرون ما حكاه لهم أجدادهم عن هزائم كل الذين حاولوا طردهم من أرضهم أو سلبها منهم.
ونفس الشيوخ الذين تم إشعارهم هذه الأيام بضرورة إخلاء أراضيهم الفلاحية، التي يستغلونها أبا عن جد، عاشوا شبابهم على ذكريات أحداث الخمسينيات والستينيات حيث كان الأهالي يتجندون للرد على كل محاولة استفزازية على الحدود. حيث كان قادة الجيش الملكي أمثال الجنرال إدريس بن عمر، ما بين 1956 و1970 يزورون المنطقة في مناسبات متفرقة للوقوف على هزائم الجنود الجزائريين الذين يتركون خلفهم في الغالب علب السردين الفارغة وأحذيتهم السوداء غير الملمعة ويعودون من حيث أتوا.
نهاية الأسبوع الماضي وثق فلاحون بسطاء يعيشون في مدينة ميدلت لعملية نزع باب حديدي لملكية تعود لمواطن مغربي تم إشعاره من طرف الجزائريين أنه يتوجب عليه إخلاء الأرض التي يستغلها وقطعوا عليه أشغال إعداد الأرض وتسويرها، و”منحوه” مهلة لكي ينزع الباب الحديدي من مكانه ويبتعد عن الأرض التي يملكها.
عمليا، الجزائريون يريدون فرض سيطرتهم العسكرية على منطقة لا تنتمي إلى المجال الجغرافي الجزائري. وبالعودة إلى التاريخ فإن الأهالي الذين يقطنون في الناحية الجزائرية لتلك الأراضي، كانوا دائما يعتبرون أنفسهم مغاربة، بل وامتنعوا عن التصويت ضد المغرب في مناسبات عديدة ومنهم من حملوا السلاح ضد فرنسا باسم جيش التحرير المغربي وليس باسم قادة الثورة الجزائرية.
وإذا كان حصول الجزائر على الاستقلال لم يُكتب أن يحدث إلا في بداية الستينيات فإن قاطني منطقة فكيك وعموم الجنوب الشرقي المغربي كانوا يعلنون ولاءهم للدولة المغربية وليس لأحد آخر. بل حتى أن الزوايا والأضرحة التي تقع في التراب الجزائري فعليا، لديها روابط تاريخية مع قبائل في الجهة المغربية وتتحدث عن تلك الروابط بدون عقد سياسية. فكيف يريد الجزائريون اليوم طرد فلاحين مغاربة من أراضيهم؟
بحسب الصور التي تنقلها الأقمار الصناعية، فإن أراضي هؤلاء الفلاحين المغاربة لا تقع نهائيا في نقط التماس أو «المنطقة العازلة» وإنما تتبع ترابيا، بحكم الجغرافيا، للمنطقة الشرقية المغربية نواحي ميدلت. وإذا كان الجزائريون يريدون تأمين الخط الحدودي في الصحراء، فهذا الأمر لن يكون على حساب الفلاحين المغاربة البسطاء الذين يحاولون استغلال أراضيهم وسط أجواء مناخية قاسية.
وبما أن الشعوب التي تملك تاريخا لا تُعدم أدلة كما يقول الصينيون، فإن منطقة فكيك كانت عصية على الفرنسيين منذ سنة 1902، أي قبل قرابة 120 سنة من اليوم! إذ إن الجيش الفرنسي قام بقصف المنطقة الشرقية لإخضاعها عسكريا لكنه لقي مقاومة عنيفة من طرف سكان منطقة فكيك على وجه التحديد، ولم تتم السيطرة عليها نهائيا. بل إن المغرب وقتها دافع عن فكيك باعتبارها منطقة مغربية وتقرر دعم الجزائريين في حربهم ضد فرنسا قبل حتى أن يتم فرض الحماية على المغرب. وكتب أكثر من مسؤول عسكري فرنسي أن منطقة فكيك وقبائلها تقاتل فرنسا باسم الدولة المغربية وأن زعماءها يحكمون باسم العلويين وهو أكبر دليل تاريخي على أن المنطقة كانت مغربية دائما.
وإذا كان الجزائريون يحاولون نسيان التاريخ، فإننا نحيلهم على سيرة الجنرال «دو لاموغيسيي». يكفي أن يتوجهوا في باريس إلى أي مكتبة عمومية، ويكتبوا اسم هذا الجنرال ويطلعوا على الوثائق الأصلية لمراسلاته عن يوميات الحرب التي خاضتها فرنسا في المنطقة الشرقية. وعندها لن يملكوا سوى خيارين لا ثالث لهما:
إما أنهم سوف يُذهلون عندما يقرؤون ماذا قال الرجل عن منطقة فكيك ويُدركون أنهم يضعون أنفسهم في خانة الإحراج. أو سيحرقون المكتبات في فرنسا. وبما أن الحمقى هناك يقودون الجيش، فالأفضل أن يبدؤوا البحث عن أجود أنواع أعواد الثقاب.