السوبر ليغ، أو السوبر الأوربي الانفصالي، كما يحلو للبعض تسميته، قلب موازين كرة القدم رأسا على عقب، على الرغم من أن البطولة انتهت بـ48 ساعة، بعد إعلانها للوجود، إذ بينما كان الكلٌ يستعد لإنهاء عمله في ليلة الأحد الماضي، خرج بيريز ببيان أشار فيه إلى خروج بطولة جديدة منافسة للمسابقات الأوربية، بل إنها الأعلى قيمة من الناحية المادية، ليجعل بذلك اليويفا، والفيفا في موقف صعب للغاية، كيف لا وأن الأندية المؤسسة للمشروع، والمشاركة فيه تعتبر من أعرق الفرق الأوربية، ومن دونها الاتحاد الأوربي، والدولي لكرة القدم لن يساوي شيئا، والسبب أنها الوحيدة القادرة على رفع المنسوب المادي للبطولات، وكذا النقل التلفزي، الذي يمكن له أن ينهار، إن فعلا كانت بطولة دوري الأبطال من دون هذه الأندية.
من المنقذ؟
لعل فلورينتينو بيريز، رئيس ريال مدريد الإسباني، ورئيس السوبر ليغ، كان يعرف مسبقا أن نسبة نجاح البطولة تبقى ضئيلة، لأنه يعلم مسبقا أن اليويفا، والفيفا لن يبقيا مكتوفي الأيادي، ويلعبان دور المتفرج، خصوصا وهم يعلمون جيدا أن هذه البطولة تعتبر بمثابة السكتة القلبية لبطولاتهم، لذا قاموا بتنزيل عقوبات يمكن اعتبارها قاسية، ولعل أبرزها حرمان الفرق المشاركة في السوبر ليغ من المشاركة في البطولات، التي تحت لوائهما، وحرمان المنتخبات من لاعبيها المشاركين في البطولة، إلا أن بيريز عاد إلى الرد سريعا بأنه من الممكن خلق كأس عالم خاص بهم.
والمعلوم أن الفرق الأوربية الكبيرة عانت كثيرا في الميركاتو الصيفي بسبب جائحة كورونا، فنصفها لديها أزمة مالية قد تعصف بالفريق، أو الرئيس نحو المجهول، إن لم يكن هناك ربانا يجيد السياقة في وقت الشدة، لذا هنا ظهر بيريز، وأضاف تلك النقطة، التي أفاضت الكأس، ومارس ضغطه رفقة الفرق المؤسسة للسوبر على اليويفا، والفيفا، اللذين ما كان لهما سوى التفكير في زيادة الربح المادي للبطولات الأوربية للتخفيف من هول هذه الصدمة.
وقال الصحافي الرياضي حمزة اشتيوي، إن تمرد هذه الأندية الكبرى على اليويفا كان في الكواليس من قبل، لكن ربما ظهور كورونا كان بمثابة النقطة، التي أفاضت الكأس، نظرا إلى الضرر الكبير، الذي تعرضت له هذه الفرق في الميركاتو الماضي، وكذا غياب الجماهير، الذي أثر بشكل كبير في المدخول المالي لها، لذا ربما قررت إعادة حساباتها، واتفقت على أنها لا تستفيد بالشكل الكافي ماديا من المسابقات الأوربية.
وأردف المتحدث نفسه أن الأندية المذكورة اقتنعت بأن القيمة المالية لهذه المسابقات لا ترقى لا بها، ولا بالبطل، كما أن عائدات البث التلفزي، وكل الأمور المادية، المتعلقة بالمسابقات الأوربية ترى بأن اليويفا هي المستفيد الأكبر، لذلك قررت التمرد عليها، لأنها تعلم مسبقا أن الاتحاد الأوربي بدونها لا يساوي شيئا.
وتابع اشتيوي أن اليويفا عليها إيجاد حل لهذه الأندية، وإرضائها، لأن تنظيم هذه الكأس سيكون بمثابة ثورة كبيرة في عالم كرة القدم، خصوصا وأن قانون المسابقة يقول إن الفرق المنظمة للسوبير ليغ ستشارك بشكل دائم، لذا فحتى الدوريات التي تنتمي إليها هذه الأندية ستتأثر بشكل كبير، كون المنافسة ستغيب عليها كما كان من قبل لغياب الحافز، ففي سنة 91/92 كان هناك صراع في البريمرليغ بين الأندية، والاتحاد، والانتصار في الأخير كان لصالح الأندية، لذا فإنني أظن أنها في موقف قوة، واليويفا في موقف ضعف، وإن لم تجد الحل، فإن الأمور ستكون خطيرة على كرة القدم.
وختم الصحافي الرياضي نفسه تصريحه بأن اليويفا في موقف ضعف، وعليها أن تجالس هذه الأندية في أقرب وقت لإيجاد حل وسط.
وفي المقابل، قال فلورينتو بيريز في تصريحات إذاعية، “ظهرت حملة تقول إننا سننهي كرة القدم، لكن الحقيقة أن بعض الأشخاص لديهم امتيازات ولا يريدون أن يخسروها. أعتقد حقًا أنه لا يوجد حل آخر، ومن لديه حل فليقدمه. مالكو الأندية الإنجليزية أمريكيون ويحبون الرياضة”.
وأردف بيريز: “الـ12 ناديا وقعوا عقدًا ملزمًا، ويمكننا استيعاب فرق أخرى. الأندية انسحبت لأن (يويفا) قدم عرضًا، ولن نكشفه على أي حال، ولا يمكن أن تكسب الأندية أموالا، وأندية أخرى تخسر”.
واستكمل رئيس ريال مدريد الإسباني، ورئيس السوبر ليغ: “لدي مسؤولية أن يكون ريال مدريد رائدا، وإذا كان هناك مال فهو للجميع، والمشروع في وضع الاستعداد ونحن نفكر في المستقبل، ويوفنتوس لم ينسحب”.
بيريز يزداد قوة
لم تسلم البطولة بالمرة من الهجوم، لا من طرف الفيفا، ولا اليويفا، ولا حتى الاتحادات الوطنية، التي اعتبرت أن البطولة هدفها مادي محض، ولا يمكن الموافقة عليها، لأن كرة القدم ملكا للشعب، وليست لأحد غيره، فهنا رأى الجميع أن الفرجة، والشغف في مشاهدة المباريات لن يعود موجودا بالمرة، ما جعل المعارضة تكون جد قاسية على بيريز، والبطولة بذاتها.
وقال الصحافي، جمال اسطيفي، في تدوينة، نشرها عبر صفحته الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”، إن “دوري السوبر الأوربي، الذي اتفق على تنظيمه 12 ناديا أوربيا، هو أشبه بعمليات السطو المسلح، وسرقة موصوفة لروح كرة القدم القائمة على مبدأ التنافس الرياضي الشريف، وعلى الهامش، الذي يتيح للفرق الصغيرة أو المتوسطة أن تهزم فرقا عملاقة، وهو ما يصنع جزءً من متعة وإثارة وجنون كرة القدم”.
وأضاف اسطيفي: “صحيح أن الأندية الكبرى تعيش وضعا ماليا صعبا، وصحيح أن مطالب رفع الحوافز المالية لمسابقة دوري أبطال أوربا مطلب مشروع، لكن غير المشروع هو أن يلتئم 12 ناديا فقط، ويقرروا تنظيم المسابقة، ويضمنوا المشاركة في هذه البطولة سنويا، في قفز صريح على الاستحقاق المحلي، الذي يقود إلى المشاركة القارية والعالمية”.
وتابع الصحافي نفسه: “تخيلوا غدا لو أن العدوى انتقلت إلى المنتخبات، وقررت اتحادات البرازيل، والأرجنتين، وألمانيا، وفرنسا، وإسبانيا، والأوروغواي، وإيطاليا، ومنتخبات أخرى، تنظيم كأس عالم بالطريقة نفسها، مع توجيه الدعوة في كل دورة إلى أربعة منتخبات لتنضم إليها.
وختم الصحفي تدوينته بـالقول “ما حدث في أوربا عنوان لجشع بلا حدود، وعنوان لغياب الحد الأدنى من الأخلاق الرياضية، ومع موقف المفوضية الأوربية، والزلزال، الذي هز عالم كرة القدم، والردود العنيفة للاتحاد الأوربي، والفيفا، فإن الملف قد يحسم بالرفع من الحوافز المالية للأندية، التي تلعب أدوارا متقدمة في دوري أبطال أوربا، خصوصا أنها تستقطب الجمهور، وتغري الرعاة”.
وفي ظل كل هذه الردود، التي كانت ضد البطولة، والتي لم تختلف عن تدوينة اسطيفي كثيرا، لأن المغزى، الذي ذهب فيه الكل، وهو أن البطولة مادية، وخلقت لزعزعة القارة الأوربية، سواء تصريحات رئيس اليويفا، أو رؤساء بعض الفرق الأوربية، ليخرج بيريز مرة أخرى لإعلان نفسه امبراطور المرحلة، إذ قال: “لقد واجهنا عدوانا رهيبًا، وحين يحدث ذلك على أرض الواقع سنرى النتيجة. الأندية ستخسر أكثر من ملياري أورو في الفترة المقبلة”.
واسترسل: “من المستحيل إبرام صفقات كبيرة إذا لم تتدفق الأموال، ولم يمنحونا الفرصة، لنشرح أكثر عن البطولة، وسنواصل العمل لإتمامها”.
وحول هجوم خافيير تيباس، رئيس رابطة الليغا، رد بيريز: “لقد جئت لأبني ولديّ مصداقية معينة، ولن أفعل أي شيء للضرر بكرة القدم بعد 20 سنة”.
وأكمل بيريز قوله: “يجب تخفيض الرواتب، لأن الوضع خطير للغاية، وبعضٌ يقول إنه لا شيء يحدث، وأنا فقط أطلب الشفافية، ففي الدوري الأمريكي لمحترفي كرة السلة يتم نشر رواتب اللاعبين، والمديرين، ويمكن رؤية الجهود، التي بذلوها”.
هل بقيت مقاومة؟
لم يمر كثير من الوقت على إعلان بطولة السوبر ليغ، حتى صفعت الفرق المشاركة بيريز بإعلانها الانسحاب، بعدما تعرضت لضغوطات كبيرة من اتحاداتها، وكذا من بعض لاعبيها، دون الإغفال عن العقوبات، التي من الممكن إنزالها عليها من طرف اليويفا والفيفا، فالكل نشر بيانا يعترف فيه أنه ارتكب خطأ بالموافقة في المشاركة، وأن هدف التواجد في المسابقة كان لإنقاد كرة القدم من الإفلاس، ولربما الانسحابات المتكررة، التي جعلت السوبر ليغ بفريقين فقط هما ريال مدريد، وبرشلونة، جعلت الكل يفكر أن السوبر الأوربي لم ينجح، لأنه من غير الممكن لعب البطولة بفريقين فقط، مادام الكل أصبح من المعارضة.
وعندما كثر القيل والقال، خرج بيريز مجددا ليؤكد أنه عازم على إقامة السوبر، أو على الأقل الاستفادة من هذه الزوبعة لمدة أطول، إذ قال إن البطولة لم تنته، مشيرا إلى أن الأندية الـ12 وقعت على عقود إلزامية.
وأضاف بيريز: “عملنا على هذا المشروع لسنوات عديدة، وربما لم نتمكن من شرحه جيدا، خسرنا، في الموسم الماضي، 650 مليون أورو، وتوصلنا إلى بطولة تلعب فيها أفضل فرق أوربا، ويمكننا الحصول على المزيد من الأموال”، وزاد: “أحد الأندية الإنجليزية الستة لم يكن مقتنعا حقا بالمشروع، ما تسبب في نقل ذلك لبقية الأندية”.
وأسهب رئيس ريال مدريد الإسباني، ورئيس السوبر ليغ: “الأندية الدائمة هي الأكثر جماهيرية على وسائل التواصل الاجتماعي، وهناك مباريات لا يشاهدها أحد”، وكشف: “تحدثت مع أنييلي، رئيس يوفنتوس اليوم 3 مرات، ولا أشعر بالوحدة، ونحن نرى بأي طريقة يمكننا جني الأموال، وسيكون من الخطأ إذا لم نفكر بهذا الشكل”.
.وتابع بيريز: “علينا أن نفعل ذلك الآن، ولا يمكننا الانتظار 3 سنوات، فالمال يأتي من المباريات الجيدة، ويجب خوض مباريات مثل فيدرر ضد نادال، التي تهم الجماهير”.
وعن لابورتا رئيس برشلونة، كشف المتحدث نفسه: “لقد تحدثت معه، وبالطبع هو مستمر معنا في المشروع بشكل طبيعي”، وأوضح: “لست خائفا من أي انتقام، وكنت قلقا حين تحدث رئيس الاتحاد الأوربي عن اللعب المالي النظيف، فهو أمر أساسي، ويجب أن يكون صارما، وليس مرنا”.
هدف خفي؟
ربما يقول بعضٌ إن بيريز كان خاطئا في الإعلان عن قيام بطولة السوبر ليغ وإخراجها للوجود، بينما برى أخرون أنه كان ذكيا في خرجاته، التي أكد فيها أنه لا يخاف من أحد، وهدفه هو إنقاذ كرة القدم، وبالطبع إلى جني المزيد من الأموال، لسد تبعات ما خلفته كورونا، إذ دعا 11 فريقا إلى المشاركة في البطولة، وهو يعلم مسبقا أن الجمهور، واللاعبين سيقررون الاعتراض، ومن ثمة فإن الفرق ستنسحب، وترفض المشاركة لتفسخ بعدها العقود مع دفع الشرط الجزائي، وبالتالي يحصل هو على أموال كسر العقود، ويضيف لخزينته تلك الأموال للتعاقد مع لاعبين كبار في المستقبل.
ويبقى السؤال، الذي يتبادر إلى الأذهان، هل فعلا بيريز كان ناجحا في خرجاته؟ وهل كانت اليويفا، والفيفا في موقف ضعف؟ ولربما الأيام المقبلة ستكشف الشيء الكثير عن هذا الصراع.