الحدث بريس : وكالات
من إيطاليا إلى المملكة المتحدة مروراً بالصين وغيرها من دول العالم، دائماً ما يظهر علينا بعض المسؤولين الذين يقولون إنهم يتوقعون أن تبلغ ذروة انتشار وباء كورونا في بلادهم خلال فترة معينة.
السؤال هنا: ما الذي يستند إليه المسؤولون في الإعلان عن وصول انتشار فيروس كورونا لذروته في هذا الوقت؟
ما هي ذروة انتشار كورونا؟
غالباً ما يتحدث المسؤولون عن أوقات ذروة الوباء عندما «يصبح المنحنى مستوياً». لكنهم نادراً ما يحددون ذروة ماذا بالضبط؟ وكيف يمكننا التأكد من أننا تجاوزنا هذه المرحلة بالفعل؟
عندما ينمو وباء دون رادع (إجراءات وقائية)، يصاب عدد أكبر من الناس ويموتون كل يوم أكثر من اليوم السابق. على سبيل المثال، انتقلت إيطاليا من الإبلاغ عن بضع مئات من الإصابات المكتشفة كل يوم في أوائل مارس إلى أكثر من 6500 حالة إصابة يوم 21 مارس.
لا يمكن لهذا التسارع أن يستمر إلى ما لا نهاية، والأهم من ذلك أن إيطاليا عززت التباعد الاجتماعي بين مواطنيها عبر إجراءات الحظر والإغلاق، ما أدى إلى إبطاء انتقال الفيروس على ما يبدو.
وصل عدد المصابين الجدد في إيطاليا إلى 4688 يوم 2 أبريل/نيسان، وهو اليوم الرابع على التوالي الذي ظل فيه عدد الحالات الجديدة ضمن نطاق 4050-4782. وعلى الرغم من المشاكل المتعلقة بالأرقام المتاحة، ومخاطر استخلاص النتائج استناداً إلى بيانات بضعة أيام فقط، يبدو من الواضح بعد أسبوعين تقريباً أن إيطاليا قد تجاوزت نقطة الذروة. فترة الأسبوعبن هذه ترتبط بشكل واضح بفترة حضانة المرض أيضاً.
إذا انتقلنا لمشاهدة الرسم البياني لإيطاليا، فقد انتقل المنحنى الذي يظهر العدد اليومي للحالات الجديدة من الارتفاع بشكل حاد سابقاً إلى التحرك بميل بسيط ثم تحول المنحنى على الخط الأفقي المستقيم (منحنى مستوٍ) وبدأ بالفعل الآن في التحرك لأسفل.
هذا التحول في تباطؤ معدل انتشار الفيروس سيتبعه – بعد وقت أطول قليلاً – نقص في أعداد الوفيات. أعداد الوفيات في إيطاليا الآن يبدو أنها وصلت مرحلة الاستقرار ما بين 700 – 800 وفاة يومياً.
متى يتغير اتجاه منحنى انتشار الوباء؟
لكن حتى عندما تتسطح تلك المنحنيات، لا يزال الوباء لم يصل إلى ذروته بعد. فالإعلان عن انتهاء الذروة يعتمد على إجراء حاسم آخر هو «عدد الحالات النشطة»، أي عدد الحالات التي لا تزال مصابة بالفيروس. يستمر هذا الرقم في الارتفاع حتى يصبح عدد المرضى الذين يموتون أو يتعافون كل يوم أكبر من عدد الإصابات الجديدة.
بمعنى أنه عندما تقل عدد الإصابات الجديدة عن المرضى المتوفون أو المتعافين في أحد الأيام، فهذا يعني هبوط في عدد الحالات النشطة، وبالتالي يبدأ معدل الحالات المصابة يقل، وهو ما يعني تسوية منحنى الحالات النشطة ثم هبوطه. عند هذه اللحظة يتم تخفيف العبء الكبير على أنظمة الرعاية الصحية.
لكن المشكلة التي يحذر منها المختصون هنا هي الموجة الثانية. إذ إن عدم وجود لقاح لفيروس كورونا الجديد حتى الآن، يعني أن على الناس الاستعداد لموجة ثانية محتملة من حالات الإصابة في وقت لاحق من العام عندما يتم رفع قيود التباعد الاجتماعي.
متى يتراجع انتشار الوباء؟
يتم تعريف مسار أي وباء بسلسلة من العوامل الرئيسية. أحد أبرز هذه العوامل ما يعرف باسم «رقم التكاثر الأساسي» (R0)، والذي يحدد متوسط عدد حالات الإصابة الثانوية الناتجة عن حالة أولية واحدة عندما يكون السكان عرضة للإصابة (أي دون وجود إجراءات احترازية).
هذا المقياس يستخدمه العلماء لتحديد مدى سهولة انتشار الفيروس وهو تقدير لمتوسط عدد الأشخاص الذين يصابون بالفيروس من شخص واحد مصاب. وهو يحدد – إلى حد كبير – العدد الإجمالي للأشخاص الذين من المحتمل أن يصابوا، أو بشكل أدق المنطقة تحت المنحنى الوبائي.
لكي ينتشر الوباء، يجب أن تكون قيمة R0 أكبر من الواحد الصحيح. وهناك معادلة بسيطة يستخدمها العلماء لمعرفة عدد الإصابات المتوقعة في حالة عدم وجود أي إجراءات وقائية أو احترازية (1 – 1/ R0). قيمة R0 لفيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) تبلغ حوالي 2.5.
وبتطبيق المعادلة، سنحصل على ناتج يساوي 0.6. هذا يعني أن حوالي 60% من السكان سيصابون بالعدوى. هذا هو السيناريو الأسوأ الذي يمكن أن نحصل عليه، لأن جهود الوقاية والحظر والعزل وغيرها تعني أن النسبة ستكون أقل بالتأكيد. في هذه الحالة نستخدم رقماً آخر يُسمى رقم التكاثر الفعال (R)، والذي يهمل الجزء غير المعرّض للإصابة بسبب الإجراءات المتبعة.
مع تقدم الوباء، واستمرار جهود الوقاية، ينخفض رقم التكاثر الفعال (R) إلى أقل من الواحد الصحيح، وهو ما يعني نقصاً في حالات الانتشار وبداية تحلل الوباء. هذا يكون إما بسبب استنفاد الأشخاص المعرضين للإصابة أو تأثير تدابير المكافحة. تراجع رقم التكاثر الفعال لما دون الواحد الصحيح يعني أن عدد الإصابات اليومية سيبدأ في الانخفاض.
لو عندنا ألف مصاب في وقت الذروة وكان R0 تساوي 0.5، وكانت الفترة الانتقالية للمرض 14 يوماً. هذا يعني أنه بعد مرور أسبوعين سيكون عندنا 500 مريض جديد، وبعد أسبوعين آخرين سيظهر 250 مريضاً فقط، وبعد أسبوعين آخرين سيظهر 125 مريضاً جديداً وهكذا. هذا يعني أن الانتشار لم يعد وبائياً.
وإذا افترضنا أن معدل الشفاء هو 200 كل 14 يوماً، فهذا يعني أنه بعد مرور أسبوعين سيكون إجمالي المصابين 1300 (1000+ 500 – 200)، وبعد 4 أسابيع سيكون الإجمالي 1350 (1300 + 250 – 200)، وبعد 6 أسابيع سيكون الإجمالي 1275 (1350 + 125 – 200)، وبعد 8 أسابيع 1137، وبعد 10 أسابيع سيقل عدد المصابين عن العدد الذي وصلنا له في ذروة تزايد الإصابات (1000 مصاب).
لكن هناك معلومات لا تزال غير كاملة
لكن المشكلة هي وجود قيود حول هذه الاستنتاجات، بما في ذلك عدم اليقين الكبير حول تقديرات رقم التكاثر الأساسي (R0) ومدة العدوى (يقصد بها الفترة الذي يظل فيها الشخص مصاباً).
من المهم أن ندرك أن كلاً من رقم التكاثر الأساسي والفعال يعتمدان على الموقف. كلاهما يتأثر بخصائص الفيروس نفسه، مثل مدى انتشاره. ويتأثر أيضاً بالمضيفين، على سبيل المثال مدى سوء التغذية في المجتمع أو الأمراض الأخرى التي قد تعرض الجهاز المناعي للخطر. أيضاً يتأثران بالبيئة بما في ذلك أشياء مثل التركيبة السكانية والعوامل الاجتماعية والاقتصادية والمناخية.
كل هذه الأمور تجعل هناك الكثير من الكلام حول وقت الوصول لذروة المرض واختلافها ليس فقط من بلد لآخر، بل توقعات مختلفة داخل نفس البلد.
يمكننا أن نأخذ المملكة المتحدة كمثال هنا.
في وقت يتكهن فيه العلماء بأن فيروس كورونا يمكن أن يبقى معنا لأشهر قادمة، قالت الدكتورة جيني هاريس، نائبة كبير الأطباء في إنجلترا، إن حالات الانتشار هناك يمكن أن تصل إلى ذروتها خلال عيد الفصح ثم تبدأ في الانخفاض، إذا اتبع الناس إجراءات بعيدة المدى.
عيد الفصح هذا العام سيكون يوم 12 أبريل وهو ما يعني أن ذروة الانتشار ستصل بعد قرابة 3 أسابيع من قرار الإغلاق الذي فرضه رئيس الوزراء. ولعل هذا هو السبب في أن قرار الحظر والإغلاق هذا جاء لمدة 3 أسابيع.
من جانبه قال البروفيسور كريس ويتتي، كبير الأطباء في إنجلترا، يوم 12 مارس ، إنه يتوقع أن تصل المملكة المتحدة إلى ذروة تفشي كورونا خلال 10 إلى 14 أسبوعاً. سيعني هذا الإطار الزمني أن عدد الإصابات لن يبلغ ذروته قبل عطلة عيد الفصح، ولكن يمكن أن يضرب المملكة المتحدة بشدة في عطلات شهر مايو.
وزارة الصحة بدورها ذكرت أن الذروة من المحتمل أن تكون في حوالي ثلاثة أشهر، حيث من المتوقع حدوث إصابات بنسبة 95%. وهذا يعني أن معظم الناس سيصابون بالفيروس بين أواخر مايو وأواخر يونيو
هنا يأمل الخبراء في أن تدفع استجابة المملكة المتحدة لتأخير الذروة إلى ما بعد النهاية الطبيعية لموسم الإنفلونزا في أبريل وفي الصيف، عندما تكون أطقم الرعاية الطبية تحت ضغط أقل