استمرارا للوقفات الاحتجاجية والغليان الشعبي الذي تعرفه مناطق عدة بالجنوب الشرقي، بعد أسبوعين على وفاة الطفلة ايديا فخر الدين، الملقبة بـ “شهيدة الحكرة والتهميش”، احتشد المئات من المواطنين القادمين من مختلف مناطق جهة درعة تافيلالت ومن الرباط والحسيمة، مدعمين بجمعيات مدنية وهيئات حقوقية، مساء الأحد، بساحة المقاومة، الموجودة بمركز مدينة تنغير، للاحتجاج والمطالبة برفع التهميش عن مناطق الجنوب الشرقي، والحق في العيش الكريم للمواطنين بهذه المناطق التي ظلت لعقود من الزمن خارج اهتمام المسؤولين بالرباط، بحسب الشعارات المرفوعة في هذه الوقفة الاحتجاجية.
وشكلت هذه الوقفة الاحتجاجية، التي دعت إليها لجنة الحراك الشعبي باسامر، مناسبة، حسب المحتجين، لإيصال صرخة أبناء الجنوب الشرقي إلى المسؤولين بمراكز القرار، من أجل إعادة النظر في الطريقة التي يتعاملون بها معهم، ومن أجل سياسة عمومية واجتماعية مواطنة تضمن لهم العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات، مشددين على ضرورة رفع جميع أشكال التهميش والإقصاء على الجنوب الشرقي وتحقيق التنمية الشاملة.
ورفع المتظاهرون، خلال هذه الوقفة، لافتات وشعارات تحمّل المسؤولية للدولة المغربية في ما يعيشه “اسامر” من إقصاء ممنهج وتهميش مقصود، من قبيل: “صوتنا سلاحنا.. وقيمنا أصالتنا.. والتهميش مصيرنا.. فاشهد يا عالم أن ثرواتنا ما عادت لنا”، ولافتات أخرى “تطالب ببناء مستشفى إقليمي بتنغير والحق في الشغل والعيش الكريم، والكرامة الإنسانية”، و”مناجم كفاك نهبا لثرواتنا وتلويثا لبيئتنا.. اميضر يستغيت”.
كما رفعت صور للطفلة ايديا “شهيدة الحكرة والتهميش”، وصور الطالب الأمازيغي عمر خالق، المعروف بـ “ازم”، الذي قتل بمراكش من طرف الطلبة الصحراويين الموالين لجبهة البوليساريو.
وقال أحد أعضاء لجنة الحراك الشعبي باسامر، غير راغب في كشف هويته، إن “هذه الوقفة الاحتجاجية الوطنية الأولى تدخل ضمن خطوات وأشكال نضالية أخرى ستعرفها مدينة تنغير، وجهة درعة تافيلالت عموما، في الأيام والأسابيع القادمة”، ورفض ما تحاول جهات، قال إنها معروفة، “القيام به من أجل الركوب على هذا الحدث واستغلال الحراك الشعبي لمصالحها الشخصية والسياسية”، مذكرا بأن “الحراك الشعبي هو للجميع ويهدف إلى تنمية المنطقة، ولن نقبل باستغلاله بطريقة أو بأخرى من طرف أي جهة مهما كانت”، وفق تعبير المتحدث.
منير كجي، ناشط أمازيغي شارك في هذه الوقفة الاحتجاجية، قال في تصريح لجريدة هسبريس الالكترونية: “من الطبيعي أن تخرج ساكنة الجنوب الشرقي للمشاركة في هذه الوقفة؛ لأن الأوضاع السوسيو اجتماعية بها متفاقمة جدا وتنذر بكوارث اجتماعية وحركات احتجاجية مستقبلا”، وأشار إلى أن الوضع الحالي للجنوب الشرقي “غير صحي بالنسبة للساكنة، مما دفع بها إلى المشاركة في الوقفة وإعلان استعدادها للمشاركة في وقفات ومسيرات احتجاجية اجتماعية مستقبلا”.
وذكر أن وقفة اليوم “تعتبر لبنة أولى للتأسيس لحراك شعبي ستعرفه مناطق الجنوب الشرقي في المستقبل”، مضيفا: “لا يعقل أن منطقة اسامر تتوفر على ثروات طبيعية ومعادن وذهب، والساكنة تعيش أوضاعا معيشية مزرية، ومؤشر البطالة وسط الشباب يتفاقم سنة بعد أخرى”. وأبرز أن الجنوب الشرقي “يفتقر إلى البنية التحتية كالصحة والطرق والماء الصالح للشرب والكهرباء، مما يهدد المنطقة مستقبلا ويأجج بها حراكا اجتماعيا على غرار الحراك الذي تعرفه منطقة الريف”، وزاد: “اسامر لا تحتاج فقط إلى سكانير آو اثنين أو تجهيزات طبية؛ لأن الأوضاع اليوم لم تعد تهم فقط الجانب الصحي”.
ويرى المتحدث أنه “آن الأوان لتتدارك الدولة تهميش وتفقير هذه المناطق؛ لأن الغضب الشعبي أصبح اليوم ينتشر كالنار في الهشيم بمختلف مناطق اسامر”، ودعاها إلى “ضرورة إعداد مخطط تنموي شامل خاص بهذه الربوع من المغرب، لانتشالها من قوقعة التهميش والنسيان والإقصاء”.
بدوره، قال عبد الحكيم الصديقي، فاعل جمعوي بتنغير أحد المشاركين في الاحتجاج، إن هذه الوقفة الاحتجاجية التي وصفها بالناجحة، “تأتي في إطار الأحداث والمجريات التي شهدتها مناطق عدة بالمغرب، تضامنا مع أسرة الطفلة فخر الدين التي توفيت يوم الثاني عشر من أبريل بالمستشفى الجامعي بفاس بسبب الإهمال الطبي”.
وأشار الصديقي إلى أن تنظيم هذه الوقفة “يعتبر انطلاقة صرخة اسامر بتنغير من أجل رفع التهميش والإقصاء الممنهج لهذه المنطقة الجغرافية”، مبرزا أنها عرفت حضور عدد كبير من الفاعلين المدنيين والحقوقيين وإطارات أخرى، “لرفع رسالة مهمة إلى الدولة، مضمونها هو كفانا من التهميش ومن مسلسل الإقصاء الممنهج الذي تستأسد به ضد هذه المناطق”.
عن هسبريس محمد ايت حساين من تنغير.