يبدو أن ملتمس الرقابة الذي تستعد المعارضة البرلمانية المغربية لتقديمه ضد حكومة عزيز أخنوش بات بدوره ساحة تجاذب سياسي داخلي بين مكونات المعارضة نفسها، لا فقط أداة دستورية لمساءلة الأغلبية الحكومية. فالخلاف المحتدم حول أحقية الفريق الذي سيتولى تلاوة الملتمس أمام البرلمان، يُسلّط الضوء على توازنات دقيقة وحسابات انتخابية أكثر مما يعكس انسجاماً بينية في صفوف المعارضة.
التمسك الذي يبديه نواب الاتحاد الاشتراكي بتولي مهمة التلاوة، يُفهم في سياقين: الأول رمزي، باعتبار الحزب هو المبادر إلى صياغة الملتمس، والثاني عددي، بصفته أكبر فرق المعارضة من حيث عدد النواب. غير أن هذا الطرح يصطدم بتوجس باقي الفرق المعارضة من استغلال هذه الرمزية كورقة دعائية لحزب إدريس لشكر، خصوصاً في أفق الاستحقاقات التشريعية المرتقبة. وهكذا، يغدو الخلاف حول من يتلو الملتمس أكثر من مجرد نقاش بروتوكولي، بل يعكس صراعاً على الزعامة داخل المعارضة، بل وربما مؤشراً على هشاشتها.
من الناحية الدستورية، فإن المعايير واضحة: ملتمس الرقابة يتطلب توقيع خُمس أعضاء مجلس النواب، وهو ما توفّر نظرياً من خلال التحالف بين الاتحاد الاشتراكي، والحركة الشعبية، والتقدم والاشتراكية، والعدالة والتنمية. هذا التحالف يملك عدداً كافياً من النواب لتقديم الملتمس، غير أن توافقه السياسي لم يُترجم بعد إلى انسجام ميداني أو تكتيكي، ما يجعل من الخلاف حول الجهة التي ستقدم الوثيقة الرسمية تحدياً حقيقياً، وليس تفصيلاً شكلياً.
ما يزيد من تعقيد المشهد هو إدراك الفرق المعارضة بأن فرص تمرير الملتمس شبه منعدمة، بالنظر إلى الأغلبية العددية التي تحوزها الحكومة، والتي تجعل من إسقاطها عبر التصويت بالأغلبية المطلقة أمراً مستبعداً. غير أن الهدف الحقيقي لا يكمن في إسقاط الحكومة بقدر ما هو توجيه ضربة سياسية ومعنوية لها، وفرض لحظة مساءلة علنية قد تساهم في اهتزاز صورتها أمام الرأي العام، خصوصاً في ظرفية اقتصادية واجتماعية مضطربة، وتزامناً مع العد العكسي نحو الانتخابات المقبلة.
الأزمة القائمة حول توقيع وتقديم ملتمس الرقابة تطرح تساؤلات عميقة حول قدرة المعارضة على التنسيق الاستراتيجي، لا فقط على مستوى المبادرات الرمزية، ولكن أساساً في بلورة بديل سياسي متماسك. فالعجز عن حسم مسألة بروتوكولية من هذا القبيل يكشف عن تصدعات بنيوية تعرقل تشكل جبهة معارضة فعّالة، قادرة على موازنة كفة السلطة التنفيذية داخل المؤسسة التشريعية.
وفي المحصلة، فإن ما يجري ليس مجرد معركة إجرائية داخل البرلمان، بل اختبار سياسي لمستوى النضج الديمقراطي داخل المعارضة المغربية. فالرهان لا يجب أن يكون على من يتلو الملتمس، بل على ما إذا كان هذا الأخير سيمثّل بالفعل لحظة مساءلة حقيقية لحكومة يُنظر إليها من قبل خصومها على أنها محصّنة عددياً لكنها مُطالَبة أخلاقياً وسياسياً بالرد على تحديات اجتماعية واقتصادية متفاقمة.