أسدل الستار على النسخة العشرين من مهرجان موازين وسط احتفاء كبير من المنظمين، الذين أعلنوا عن استقطاب أكثر من 3,75 مليون متفرج خلال تسعة أيام، عاش فيها الجمهور على إيقاعات عروض فنية قدمها أكثر من 100 فنان من مختلف أنحاء العالم. جمعية مغرب الثقافات، الجهة المنظمة للمهرجان، وصفت الدورة بالاستثنائية، وأشادت بما سمّته “التلاحم الثقافي” بين الفنانين والجمهور، مؤكدة أن هذا الإقبال الجماهيري الهائل يعكس المكانة التي يحتلها المهرجان ضمن أبرز التظاهرات الموسيقية العالمية، ويبرز صورة المغرب كأرض للضيافة والانفتاح الثقافي.
لكن، وبينما كانت الأضواء مسلطة على منصات الرباط وسلا، كانت هناك في الزوايا الأخرى من النقاش العمومي انتقادات واسعة للمهرجان، وصلت في بعض الحالات إلى درجة التشكيك في مشروعيته الأخلاقية والاجتماعية. فعدد من المواطنين والناشطين يرون أن هذا الكم الهائل من الموارد التي تُسخر لمهرجان ترفيهي لا يعكس واقع المغرب الاقتصادي والاجتماعي. في ظل أزمة معيشية مستفحلة وارتفاع في الأسعار وتفاوتات اجتماعية صارخة، يبدو للبعض أن تنظيم موازين أشبه بحفل في قاعة مشتعلة، تغيب فيه أولويات واقعية لمواطنين لا يرون في المهرجان سوى استعراضًا باذخًا منفصلًا عن همومهم اليومية.
وفي الوقت الذي يشيد فيه المنظمون بمجانية السهرات باعتبارها شكلًا من أشكال دمقرطة الثقافة، يتساءل المنتقدون عن معنى هذه المجانية في بلد يحتاج فيه قطاع الصحة إلى دعم، والتعليم إلى إصلاح، والشباب إلى فرص عمل لا إلى عروض فنية عابرة. صحيح أن الكلفة يتحملها شركاء ورعاة، إلا أن التظاهرة تتطلب تعبئة ضخمة من البنية التحتية، الموارد البشرية، الأمن، والمواكبة الإعلامية، ما يجعل السؤال حول “الكلفة العامة” حاضرًا في كل دورة.
ثمّة من يعتبر أن النقاش الدائر حول موازين ليس نقاشًا ضد الفن، بل تساؤل مشروع حول أي فن نريد، ولمن؟ فالمهرجان، رغم نجاحه الفني، ما زال حبيس نظرة تحتفي بالبهرجة أكثر مما تنفتح على خطاب ثقافي متوازن. وإذا كان جزء من المواطنين قد لبّى نداء المنصات، فإن جزءًا آخر يعبّر عن رفضه لما يراه اختلالًا في ترتيب الأولويات، بل ويعتبر المهرجان رمزًا لفجوة طبقية وثقافية تتسع عامًا بعد آخر. المفارقة المؤلمة أن بعض الأسماء المشاركة نفسها سبق وأن ارتبط اسمها بالجدل حول المحتوى أو الأداء، ما يزيد من تعقيد المشهد ويطرح سؤال الذوق العام، والأثر القيمي للتظاهرة على جيل يعيش في ظل ضغوط اقتصادية ونفسية خانقة.
لا شك أن موازين يراكم تجربة تنظيمية وفنية مبهرة، لكن التحدي الحقيقي اليوم ليس في حشد الملايين أمام الخشبة، بل في جعل هذه الخشبة مرآة لواقع المجتمع وليس واجهة لتجميله. يجب التفكير في كيف يمكن لهذا الحدث الضخم أن يتحول إلى رافعة ثقافية تنعكس على المغاربة جميعًا، لا أن يبقى لحظة فرجة موسمية في سياق اجتماعي يعاني من الاختلالات. الثقافة ليست ترفًا، ولكن حينما تغدو مظاهرها أشبه بالترف المنفصل عن الناس، تفقد الكثير من معناها وجدواها. مهرجان موازين لا يحتاج فقط إلى تصفيق الجمهور، بل أيضًا إلى إصغاء عميق لصوت الشارع، الذي يطالب بفن يوازي حاجاته، ويعبر عن قضاياه، ويشعره بأنه جزء من الحكاية لا مجرد متفرج.