أكد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني،أمس الثلاثاء بالرباط، أن الحكومة أولت اهتماما خاصا لملف التربية والتكوين وهو ما تجسد في الارتفاع المطرد للميزانية المخصصة للقطاع والذي بلغ ما نسبته 25 بالمائة ما بين 2016 و2019 .
وقال العثماني، في معرض جوابه على سؤال محوري حول “السياسة الحكومية لمعالجة تحديات التعليم والتكوين المهني والبحث العلمي ببلادنا” خلال الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة، إن الحكومة ستواصل هذا المجهود المالي استجابة للحاجيات الملحة للمنظومة التربوية الوطنية.
وأبرز أن الحكومة تتوفر على رؤية واضحة بشأن إصلاح المنظومة التربوية وأنها تعمل جاهدة لبلوغ تطلعات مدرسة المستقبل، مدرسة الجودة وتكافؤ الفرص، مؤكدا على ضرورة الاستمرار في إصلاح المنظومة الوطنية التربوية لأنه المدخل الأساس لرفع رهان التنمية الشاملة والمستدامة للبلاد بتفعيل أدوار المنظومة التربوية في التنشئة الاجتماعية للأجيال الصاعدة وتكوين وتأهيل مواطني الغد.
وسجل أن مشروع القانون-الإطار المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي، الذي أعد لتنزيل الرؤية الاستراتيجية، والذي يوجد قيد المناقشة لدى المؤسسة التشريعية، يشكل خارطة طريق للإصلاح التربوي المنشود بالمغرب، إذ يهدف إلى تحديد المبادئ والاختيارات الاستراتيجية، وذلك على أساس تحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص والجودة، وضمان استدامة الإصلاح، وذلك من خلال جملة من التوجهات الأساسية من بينها توسيع المدى الزمني لإلزامية التعليم، وإقرار إلزامية تمدرس أطفال الفئة العمرية من 4 و5 سنوات بالتعليم الأولي؛ وإيلاء عناية خاصة لتمدرس الأطفال في وضعية إعاقة، أو في وضعيات خاصة.
وأشار إلى أن تصور الحكومة لإصلاح المنظومة الوطنية للتربية والتكوين يقوم، انطلاقا من الرؤية الاستراتيجية ومضامين برنامجها الحكومي، على مقاربة شمولية ومتكاملة تشمل مختلف مكونات هذه المنظومة من خلال السعي إلى تعميم التعليم الأولي، وتحسين جودة التعليم الابتدائي والثانوي، وتعزيز التكوين المهني باعتباره رافعة أساسية لتحقيق فرص التشغيل، وإرساء منظومة متميزة للتعليم العالي والبحث العلمي، فضلا عن تعزيز وتأهيل الموارد البشرية التربوية بهدف سد الخصاص والرفع من جودة العملية التعليمية.
ففي ما يخص السعي إلى تعميم التعليم الأولي، تطرق رئيس الحكومة لأهمية الاستثمار في الطفولة المبكرة في إنجاح مسار التعلم ومحاربة الهدر المدرسي، مشيرا في هذا الإطار إلى أن الحكومة تعمل جاهدة على تعميم التعليم الأولي من خلال تنزيل البرنامج الوطني للتعليم الأولي، والذي يستهدف التعميم (تحقيق نسبة 100 بالمائة) في أفق الموسم الدراسي 2027-2028، و67 بالمائة كنسبة مرحلية في الموسم الدراسي 2021-2022.
ولفت إلى أن الحكومة شرعت فعليا في تنزيل هذا البرنامج، بشراكة مع مختلف الفاعلين من جماعات ترابية، ومجتمع مدني وقطاع الخاص، من خلال رصد غلاف مالي قدره 1,35 مليار درهم برسم ميزانية سنة 2019 لبناء وتجهيز الحجرات الدراسية، مبرزا أن مجموع الأقسام الدراسية بهذا المستوى بلغ، برسم الموسم الدراسي 2018-2019، ما مجموعه 43.141 قسما، أي بزيادة 3.771 قسما عن الموسم الفارط، في حين فاق مجموع المربين والمربيات 380 ألف . وهو ما مكن من الرفع من عدد المسجلين بهذا المستوى ب100 ألف طفلة وطفلة.
وفي ما يتعلق بتحسين جودة التعليم الابتدائي والثانوي، سجل أن التحديات الكبرى التي يواجهها التعليم الابتدائي والثانوي تتمثل أساسا في تعميم التمدرس وتقليص نسبة الهدر المدرسي وتحسين جودة التعليم، لا سيما بالعالم القروي، مشيرا إلى أن الجهود المبذولة ترتكز على التقليص من الخصاص في العرض المدرسي، عبر تنويع هذا العرض بما يستجيب للخصوصيات المجالية لمختلف ربوع المملكة، وكذا تعزيز الدعم الاجتماعي من أجل التمدرس، فضلا عن تطوير النموذج البيداغوجي.
ولم يفت رئيس الحكومة، في هذا الصدد، التذكير بعدد من المؤشرات الإيجابية في مجال تعميم التعليم ومعالجة مشاكل الاكتظاظ وتقليص نسب الاكتظاظ، التي تحققت بفضل برامج وإجراءات مختلفة، مع تأكيد عزم الحكومة مضاعفة الجهود والاستمرار في تنفيذ برامجها لتحقيق مزيد من الإنجازات بما يرفع من جودة مخرجات المنظومة التعليمية.
أما في ما يتعلق بتجويد منظومة التكوين المهني، فقد تطرق رئيس الحكومة للعناية المولوية السامية التي يوليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس لورش إصلاح التكوين المهني، وتتبع ودعم جلالته المباشر له، مبرزا أن النقلة النوعية في ميدان التكوين المهني، ستمكن من توفر كل جهات المملكة على “مدن للمهن والكفاءات” متعددة الأقطاب والتخصصات، ستضم قطاعات وتكوينات مختلفة تستجيب لخصوصيات وإمكانات وحاجيات الجهة المتواجدة بها، كما تهم توفير التكوين في مجال الذكاء الاصطناعي، وكذا مهن المستقبل في المجال الرقمي وترحيل الخدمات باعتباره قطاعا واعدا يشكل قيمة مضافة على مستوى إحداث مناصب الشغل.
من جهة أخرى، أشار العثماني إلى إرساء منظومة متميزة للتعليم العالي والبحث العلمي بما يحقق ملاءمة أفضل لعرض التعليم العالي مع متطلبات سوق الشغل وتحسين جودته وتوسيع عرضه، إلى جانب تعزيز وتأهيل الموارد البشرية التربوية لسد الخصاص والرفع من جودة العملية التعليمية.
وأضاف أنه تم، في هذا الإطار، إعداد خطة استراتيجية ومخطط عمل لها للفترة 2017-2021، بهدف الارتقاء بأداء منظومة التعليم العالي والبحث العلمي بما يمكن الجامعة المغربية من الانخراط الكامل في دينامية التنمية الوطنية، وتلبية تطلعات المجتمع ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد وفق اتجاهات ومعايير الجودة المعتمدة على المستوى الدولي.
وبخصوص تعزيز وتأهيل الموارد البشرية التربوية بقطاع التربية والتكوين والبحث العلمي فإن رؤية الحكومة، يوضح السيد العثماني، تقوم على توفير الأطر التربوية وتكوينها وتأهيلها من أجل سد الخصاص والرفع من جودة العملية التعليمية، بما يساهم في توسيع العرض التربوي والرفع من جودة ومردودية المنظومة التربوية الوطنية بالنسبة لمختلف مكونات هذه المنظومة.
وخلص إلى أن إصلاح المنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي، باعتباره أحد التحديات الكبرى للبلاد، يظل مسؤولية جماعية، وليس مسؤولية الحكومة لوحدها، وهو ما يستدعي تظافر جهود مختلف مكونات هذه المنظومة، وانخراط كافة القوى الحية للأمة في إرادة الإصلاح.