في خضم الجدل الذي أثارته التصريحات الأخيرة لعبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، خلال مهرجان خطابي بمناسبة فاتح ماي، خرجت الوزيرة السابقة نزهة الوافي بتدوينة لافتة على حسابها في “فيسبوك”، وجهت فيها انتقادات صريحة لما اعتبرته “تهكماً غير لائقاً” من بنكيران تجاه الرئيس الفرنسي.
الوافي، التي كانت من أبرز وجوه الحزب في مرحلة سابقة وتولت حقيبة التنمية المستدامة، عبرت عن انزعاجها مما وصفته بانزياح خطير عن الأعراف الدبلوماسية، مشددة على أن الدفاع عن القضية الفلسطينية، رغم أهميته الوطنية، لا يبرر المساس برمزية رؤساء دول تجمعهم بالمغرب علاقات استراتيجية، وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي.
وجاء في تدوينتها:
“لا يليق برئيس حكومة سابق، وأمين عام حزب سياسي قاد الحكومة المغربية لولايتين التهكم على رئيس دولة أخرى، مثل فرنسا التي اصطفت إلى الحق والدعم المتواصل لمغربية الصحراء…”.
ما بين السطور، لا تخفي تدوينة الوافي إحساساً مزدوجاً بالخذلان والانفصال القيمي عن المسار الذي بدأ يسلكه الحزب منذ سنوات، لا سيما بعد التراجع الانتخابي الكبير الذي عرفه سنة 2021. وهي ليست المرة الأولى التي تنتقد فيها قيادات سابقة داخل “البيجيدي” الخطاب الشعبوي الذي بات يطغى على خرجات بنكيران، لكنها من المرات القليلة التي يتقاطع فيها البعد الأخلاقي مع السياسي والدبلوماسي في نقد مباشر لأمين عام الحزب.
من حيث الشكل، لم تخلُ خرجة بنكيران من طابع “التصعيد الرمزي” ضد الغرب، وخصوصاً فرنسا، التي اتهمها ضمناً بالتواطؤ مع إسرائيل في محنة غزة، مستثمراً في رصيد القضية الفلسطينية لاستعادة وهج خطابي خفت بعد نكسة صناديق الاقتراع. لكن من حيث المضمون، بدا أن بنكيران يغامر بتحميل الملف الفلسطيني عبء توتر دبلوماسي محتمل في لحظة إقليمية دقيقة، حيث تسعى الرباط إلى ترميم علاقاتها مع باريس، الحليف التقليدي في ملفات الصحراء والاستثمار.
في هذا السياق، تطرح تدوينة الوافي تساؤلات جوهرية حول حدود التعبير السياسي حين يتداخل مع الملفات الحساسة، وحول مسؤولية الفاعلين الحزبيين – خاصة أولئك الذين تحملوا مسؤوليات حكومية – في حماية المصالح العليا للمغرب دون التفريط في القضايا العادلة.
و رغم أن الوافي لم تعد تشغل أي موقع رسمي داخل الحزب، إلا أن صوتها لا يمكن اعتباره معزولاً عن تيار داخل “العدالة والتنمية” بدأ يضيق ذرعاً بأسلوب بنكيران في التعاطي مع القضايا الوطنية والدولية. هذا التيار الذي لطالما دعا إلى مراجعة الخطاب السياسي للحزب وإعادة ضبط علاقته بالمؤسسات والدولة، قد يجد في هذه التدوينة مناسبة للتذكير بضرورة التمييز بين الدفاع عن القيم والمبادئ، وبين الانزلاق إلى خطاب قد يُفهم – محلياً ودولياً – على أنه تأجيج للمواجهة بدل تعزيز الحوار والتوازن.