يعيش حزب الاستقلال اليوم مرحلة حساسة في تاريخه السياسي، حيث يواجه تحديًا مزدوجًا:
الأول يتعلق بموقعه داخل التحالف الحكومي مع التجمع الوطني للأحرار و الأصالة والمعاصرة، والثاني مرتبط بمواقف الحزب الأخيرة من قضايا الفساد التي شابت بعض الحلفاء في الحكومة.
وفي هذا السياق، تطرح العديد من الأسئلة حول صحة التحالفات التي أبرمها الحزب، وهل يمكن اعتبارها خطوة استراتيجية أم أنه وقع في خطأ سياسي قد يؤثر على مصداقيته في الساحة السياسية المغربية.
منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي أسفرت عن توازن سياسي معقد، كان على حزب الاستقلال أن يختار بين المواقف التقليدية التي ارتبطت به على مر العقود وبين ضرورة المشاركة في الحكومة لتحقيق مصالح وطنية معينة.
التجمع الوطني للأحرار، ذو التوجهات الاقتصادية الليبرالية، و الأصالة والمعاصرة الذي يروج لخطاب الإصلاح السياسي والاقتصادي، كانا بمثابة الخيار المتاح أمام حزب الاستقلال لتحقيق هذا التوازن.
لكن التحالف مع هذين الحزبين، اللذين يتمتعان بشعبية كبيرة في دوائر الأعمال والسياسة، لم يكن يخلو من تعقيدات وأبعاد قد تكون بعيدة عن مواقف حزب الاستقلال التاريخية التي طالما دعمت العدالة الاجتماعية وحماية مصالح الطبقات الشعبية.
اليوم، وفي ظل قضايا فساد حديثة مثل استيراد الأغنام والأبقار التي تورط فيها بعض التجار المنتمين للأحزاب الحليفة، بدأ الحزب يواجه ضغوطًا كبيرة لبرهنة استقامته الأخلاقية والسياسية.
تصريحات نزار بركة، الأمين العام للحزب، حول الفساد والانتقادات التي وجهها لبعض أعضاء الحكومة، تحمل الكثير من الدلالات.
فهل كانت هذه التصريحات مجرد رد فعل على الضغوط الداخلية، أم أنها تمثل نوعًا من المراجعة السياسية والتحليل العميق لجدوى الاستمرار في هذا التحالف؟
العديد من المراقبين يرون أن حزب الاستقلال دخل في تحالفات صعبة، فالتناقضات في التوجهات السياسية بين الحزب الحاكم وتوجهات حزب الاستقلال قد تكون أكبر من أن تُمحى بمجرد تقاسم المناصب الوزارية.
التحالف مع التجمع الوطني للأحرار، الذي يرتكز على تيار ليبرالي اقتصادي، قد يتعارض مع مبادئ الحزب التي كانت دائمًا تدافع عن الفئات الاجتماعية الهشة، وتحارب التفاوتات الاقتصادية.
أما التحالف مع الأصالة والمعاصرة، الذي نشأ على خلفية انتقادات قوية للأنظمة السابقة، فقد يؤدي إلى إضعاف مكانة حزب الاستقلال الذي لطالما اعتبر نفسه حاميًا للثوابت الوطنية.
لكن ما يزيد الأمور تعقيدًا هو مسألة الفساد، خاصة عندما يتعلق الأمر بفضائح اقتصادية تورط فيها بعض من يُعتبرون حلفاء في الحكومة.
تصريحات نزار بركة تكشف عن تصدع داخلي قد يعكس حيرة الحزب في كيفية التعامل مع مواقف قد تضر بسمعته.
ففي الوقت الذي يتحدث فيه الحزب عن ضرورة محاربة الفساد و التغيير السياسي، يظل في التحالف مع أطراف قد تكون مرتبطة بممارسات مشبوهة.
بعض المحللين يعتبرون أن حزب الاستقلال كان أمام خيار صعب عندما اختار التحالف مع هذه الأحزاب، ولكن هل كان من الضروري التضحية بمبادئه من أجل التواجد في الحكومة؟ في ضوء الأوضاع السياسية الحالية، يمكن القول أن الحزب ربما قد أخطأ في تقدير عواقب هذا التحالف، خصوصًا أنه يرى نفسه اليوم في موقف دفاعي أمام الانتقادات الشعبية.
ومع تزايد قضايا الفساد، يبدو أن الحزب يعيد تقييم استراتيجيته السياسية، وقد يكون ذلك من خلال العودة إلى مواقفه الانتقادية التي تميز بها في الماضي.
تصريحات بركة قد تكون بمثابة مراجعة غير مباشرة للتحالفات السابقة، لكن السؤال يبقى:
هل فات الأوان على إصلاح التحالفات؟ أم أن حزب الاستقلال يمكن أن يستعيد بعضًا من شعبيته من خلال العودة إلى مواقفه الأصيلة، بعيدًا عن الألاعيب السياسية التي قد تضر بمصداقيته؟
في النهاية، التحالفات السياسية هي مسألة توازنات دقيقة، لكن عندما تضع هذه التحالفات الحزب في مواجهة ملفات فساد وأزمات سياسية قد تؤثر على شعبيته، فإن السؤال الأكبر يبقى: هل أخطأ حزب الاستقلال في تحالفه الحكومي؟ الجواب قد يكون معقدًا، لكن الواضح أن الحزب بحاجة إلى إعادة التفكير في دورِه وتوجهاته السياسية في المرحلة القادمة.