واجه المغرب طيلة سبع السنوات متتالية من الجفاف، حيث تواجه المملكة واقعا مقلقا يتمثل في تراجع غير مسبوق للقطيع الوطني، ما أدى إلى إرتفاع أسعار اللحوم و المواشي، خاصة مع إقتراب عيد الأضحى.
و رغم التدخلات الحكومية، لم تفلح مختلف البرامج و المخططات الفلاحية في كبح هذا التدهور، بل أقرّت الحكومة نفسها، على لسان وزير الفلاحة أحمد البواري، بتراجع القطيع بنسبة 38% مقارنة بإحصاء سنة 2016.
تراجع القطيع يطرح تساؤلات ملحة حول نجاعة السياسات العمومية المتبعة منذ سنوات، و في مقدمتها “المخطط الأخضر” و ”الجيل الأخضر”، اللذان رُصدت لهما ميزانيات ضخمة و كان يُعوّل عليهما لتحقيق الأمن الغذائي و تعزيز الثروة الحيوانية.
برامج الدعم…دون جدوى ؟
لم تكن الدولة مكتوفة الأيدي أمام هذه الأزمة، فقد إتخذت عدة إجراءات من بينها دعم إستيراد الأغنام و اللحوم الحمراء، و توفير الأعلاف المدعمة، إلى جانب برامج إستثنائية لمساعدة المربين.
و رغم ذلك، لم تتمكن هذه التدابير من منع التراجع، ما دفع بعض المهنيين، مثل عبد الرحمان المجدوبي، رئيس الجمعية الوطنية لمربي الأغنام و الماعز، إلى التأكيد أن ما تحقق هو فقط تجنّب الانقراض الكلي للقطيع، و ليس استعادة عافيته.
عوامل بيئية أم إخفاق هيكلي ؟
الحكومة تُعزي أسباب التراجع إلى التغيرات المناخية و شح الأمطار، و هي أسباب وجيهة في سياق بيئي عالمي متقلب.
الحكومة تُعزي أسباب التراجع إلى التغيرات المناخية و شح الأمطار، و هي أسباب وجيهة في سياق بيئي عالمي متقلب.
غير أن المتابعين يرون أن الأزمة كشفت هشاشة البنية الفلاحية و عدم قدرة المخططات الكبرى على ضمان صمود القطيع في وجه الأزمات المناخية، مما يضع علامات إستفهام حول مدى ملاءمة هذه السياسات لطبيعة المجال القروي المغربي.
دعوة ملكية غير مسبوقة
في سابقة من نوعها، دعا الملك محمد السادس المغاربة إلى عدم نحر الأضاحي خلال عيد الأضحى هذه السنة، في خطوة تروم الحفاظ على ما تبقى من القطيع الوطني. هذه الدعوة تحمل في طياتها إقراراً ضمنياً بخطورة الوضع، و تعكس حجم التحديات التي باتت تهدد الأمن الغذائي للبلاد، و تفرض تفكيرا جديداً في أسلوب تدبير الثروة الحيوانية.
نحو نموذج فلاحي جديد ؟
ما يعيشه المغرب اليوم من أزمة في قطاع تربية الماشية ليس سوى جزء من أزمة أوسع، تهم النموذج الفلاحي برمته. إذ صار من الضروري إعادة النظر في أولويات هذا النموذج، و توجيه الجهود نحو دعم صغار المربين، و تدبير الموارد المائية بشكل مستدام، و القطع مع السياسات الترقيعية التي لا تصمد أمام أول إختبار بيئي حاد.
ما يعيشه المغرب اليوم من أزمة في قطاع تربية الماشية ليس سوى جزء من أزمة أوسع، تهم النموذج الفلاحي برمته. إذ صار من الضروري إعادة النظر في أولويات هذا النموذج، و توجيه الجهود نحو دعم صغار المربين، و تدبير الموارد المائية بشكل مستدام، و القطع مع السياسات الترقيعية التي لا تصمد أمام أول إختبار بيئي حاد.