تشهد الحكومة الأمريكية تغييرات جذرية تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب، حيث يتم إنهاء عشرات البرامج، وتسريح عشرات الآلاف من الموظفين، بل وإلغاء وكالات بأكملها. في خضم هذه التحولات، تبنّى البيت الأبيض مصطلحات جديدة لوصف سياساته، وغالبًا ما استخدم كلمات بمعانٍ تتناقض مع مفاهيمها التقليدية.
فيما يلي تفصيل لكيفية إعادة تعريف بعض المصطلحات الأساسية في قاموس إدارة ترامب، استنادًا إلى تصريحات الرئيس والمتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت.
الشفافية..
لطالما ارتبط مفهوم الشفافية في الحكومة الفيدرالية بإتاحة البيانات، والعقود، والتقارير الحكومية للجمهور، حتى لو كشفت عن مشكلات داخلية. غير أن إدارة ترامب اتخذت نهجًا مختلفًا، حيث أقالت ما يقرب من عشرين مفتشًا عامًا مكلفين بالكشف عن الفساد وإساءة استخدام السلطة داخل الوكالات الفيدرالية. ومن بين هؤلاء، المفتش العام للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، الذي تم فصله فور إصداره تقريرًا ينتقد تعليق المساعدات بأمر من الرئيس.
بالإضافة إلى ذلك، تم حذف مواقع إلكترونية حكومية بالكامل، بما في ذلك جميع صفحات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، كما أزيلت أي إشارات إلى عقد بقيمة 400 مليون دولار مُنح لشركة تسلا، المملوكة للملياردير إيلون ماسك، الداعم المالي الأبرز لترامب.
في المقابل، يدّعي البيت الأبيض أن الإدارة شفافة لأنها تتيح لترامب التحدث إلى الصحفيين بانتظام. وقالت ليفيت: “الرئيس ترامب يجسد الشفافية من خلال تواصله الدائم مع الإعلام، خلافًا لسلفه جو بايدن، الذي نادرًا ما أجاب على الأسئلة في مؤتمرات غير مُعدة مسبقًا.” لكن التحقق من صحة تصريحات ترامب يظهر أن العديد منها غير دقيق أو مضلل، مما يجعله مصدرًا أقل موثوقية مقارنة بالتقارير الحكومية المفصلة.
حرية التعبير..
يضمن التعديل الأول للدستور الأمريكي حرية التعبير، أي الحق في إبداء الآراء دون تدخل حكومي. ومع ذلك، تباينت تفسيرات هذه الحرية في ظل إدارة ترامب، خاصة فيما يتعلق بمنصات التواصل الاجتماعي.
تعرض ترامب للحظر على عدة منصات، بما في ذلك تويتر (قبل أن يستحوذ عليه ماسك ويغير اسمه إلى “إكس”)، بعد اتهامه بالتحريض على اقتحام مبنى الكابيتول في 2020. لكن بعد عودته إلى المنصات، أكد ترامب أن إدارته “أنهت الرقابة الحكومية وأعادت حرية التعبير إلى أمريكا.”
رغم ذلك، فإن إدارة ترامب منعت مؤخرًا مراسلي وكالة “أسوشيتد برس” من حضور الأحداث الصحفية بسبب رفض الوكالة استخدام مصطلح “خليج أمريكا” بدلاً من “خليج المكسيك”، الاسم المتعارف عليه عالميًا. ووصف البيت الأبيض هذا الموقف بأنه “غير مسؤول ومضلل”، مشيرًا إلى أن الوكالة فقدت “امتياز الوصول إلى أماكن مثل المكتب البيضاوي وطائرة الرئاسة.”
الاحتيال وإساءة الاستخدام…
في العادة، يشير الاحتيال إلى ممارسات خادعة تهدف إلى تحقيق مكاسب غير مشروعة. لكن إدارة ترامب أعادت تعريف المصطلح ليشمل البرامج والسياسات التي تعارض أجندتها، مع تقييد عمليات الرقابة التي تكشف عن الفساد الحقيقي.
على سبيل المثال، أعلن ترامب أن “هناك عمليات احتيال هائلة وإساءة استخدام ضخمة”، في إشارة إلى برامج متنوعة، معظمها متعلقة بالتنوع، والمتحولين جنسيًا، والتغير المناخي. كما استهدفت إدارته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، واصفًا إياها بأنها “عملية احتيال”، دون تقديم أدلة واضحة تدعم هذا الادعاء..
إضافة إلى ذلك، أقال ترامب مسؤولين أخلاقيين بارزين، وقلّص دور الهيئات الرقابية، وعلق تنفيذ قانون لمكافحة الفساد في الشركات الأجنبية. كما تدخلت وزارة العدل لإسقاط تهم رشوة ضد عمدة نيويورك إريك آدامز، الذي يُعرف بدعمه لسياسات ترامب الخاصة بالهجرة..
العجز…
في السياسة المالية، يشير العجز عادةً إلى الفجوة بين إيرادات الحكومة ونفقاتها. لكن بالنسبة لترامب، فإن العجز الأكثر أهمية هو العجز التجاري، وليس العجز في الميزانية الفيدرالية..
لذلك، فرض ترامب تعريفات جمركية بنسبة 25% على الصلب والألمنيوم، وهدد بفرض رسوم على كندا والمكسيك، كما اقترح فرض تعريفات متبادلة على الدول الأخرى..
قال ترامب مؤخرًا: “لدينا عجز هائل مع المكسيك، وكندا، وأوروبا، والصين.” لكن البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الأمريكي تشير إلى أن العجز التجاري مع الصين انخفض إلى أدنى مستوى له منذ عشر سنوات خلال إدارة بايدن..
وفي مقابلة مع “فوكس نيوز”، زعم ترامب أن الولايات المتحدة تدفع 200 مليار دولار سنويًا لكندا، متسائلًا: “لماذا نقدم هذا الدعم؟ إذا كانت كندا ولايتنا الحادية والخمسين، فلا بأس.” في الواقع، تشير بيانات الممثل التجاري الأمريكي إلى أن العجز في تجارة السلع مع كندا بلغ 63 مليار دولار في 2024، لكن الولايات المتحدة تحقق فائضًا في تجارة الخدمات مع كندا بقيمة 30 مليار دولار، مما يقلل العجز الكلي..
بالمقارنة، فإن العجز الفيدرالي يعتمد على مدى إنفاق الحكومة مقارنة بإيراداتها. وقد تؤدي سياسات ترامب الضريبية إلى توسيع العجز الفيدرالي، مما قد يزيد أيضًا من العجز التجاري بسبب زيادة الاقتراض المحلي وانخفاض معدلات الادخار..
تعكس هذه الأمثلة كيف أعادت إدارة ترامب تعريف مصطلحات سياسية واقتصادية رئيسية لتناسب أجندتها. وبينما يدافع البيت الأبيض عن هذه التغييرات باعتبارها ضرورية لإصلاح الحكومة، فإنها تثير مخاوف بشأن دقة المعلومات المتاحة للجمهور، ومدى توافقها مع الحقائق الاقتصادية والسياسية الراسخة.