تأسست جامعة سيدي محمد بنعبد الله بفاس سنة 1980، لكن بعض الكليات والأحياء الجامعية تأسست سنوات قبل هذا التاريخ. تأسست كلية الآداب مثلا سنة 1961، وتأسس الحي الجامعي ظهر المهراز سنة 1960، استعدادا لاستقبال الطلبة والطالبات الوافدين من مختلف الجهات والأقاليم والذين اختاروا متابعة الدراسة في الشعب الأدبية من فلسفة وآداب وتاريخ ولغات..
كان الحي الجامعي 1 يشمل 1628 سريرا. في سنة 1980، شيد الشطر الثاني لاستعاب المزيد من الطلبة والطالبات الوافدين إلى جامعة فاس، بإضافة 1655 سرير..
كلية الآداب والحي الجامعي ظهر المهراز بفاس،، عمرهما واحـــــد، تاريخهما واحـــــــد، ذاكرتهما واحــــــــــدة،،
لمدة 54 سنة و 3283 طالب وطالبة يقضون سنة دراسية بين الكلية التي يدرسون فيها والحي الجامعي ظهر المهراز، اي بما يعادل 117 282 طاب وطالبة. هذا الرقم الذي يساوي سكان مدينة متوسطة الكثافة، قطنوا غرف هذا الحي لمدة سنوات، ناهيك عن الحالات التي كان يستقبل فيها الطلبة والطالبات أصدقاء لهم لا يتوفرون على مسكن، حتى أن الغرفة التي تستوعب أربعة طلبة كانت أحيانا تستقبل 8 أو أكثر..
أكثر من282 117 طاب وطابة مــــــــــروا من هنا، من واحد من أقدم الأحياء الجامعية بالمغرب،، لأزيد من نصف قرن..
لم يخبرنا أحد بموعد تحطيمه ولا بأسباب تحطيمه، كأننا نحن المنتمون إليه غرباء عنه، التقطنا الخبر بالصدفة ..
قبل أسبوع، هذا الحي الذي عاش شامخا بين كليات الآداب والحقوق والاقتصاد والعلوم من الجهة العليا والأحياء القصديرية من الجهة السفلى نعرض للزوال، لم يصمد أمام الجرافات العاتية ومادة الديناميت التي عملت على تحطيمه في دقائق..
اختلط علي المشهد وأنا أرى الصورة على جدار أحد الذين بكوا الحي المنكوب بحرقة، تساءلت هل هو مشهد من غزة، أم من سوريا أم من رقعة أخرى من أوطاننا المنكوبة ؟ لا الصورة ليست من غزة، الصورة مأخوذة من مدينة فاس التي أسكن بها ومكان الحدث لا يبعد عن بيتي وعن مكتبي إلا بثلاث كيلومترات ..
لم أستوعب المشهد، وكان يلزمني بعض الوقت لأصدق أن الصورة التي أمامي هي صورة بناية الحي الجامعي ظهر المهراز الذي أمر من قربه، مرات عديدة في الأسبوع وأنا ذاهبة لعملي في كلية الآداب،
لم استوعب أنني منذ اليوم لن أرى تلك البناية وسأرى مكانها حطاما ..
الح الجامعي الذي نسجت فيه آلاف العلاقات وآلاف الصدقات،
الحي الجامعي الذي نظمت فيه آلاف التظاهرات الثقافية والحلقات الدراسية ،
الحي الجامعي الذي شهد طيلة تاريخه النقاشات السياسية وأيام التضامن مع الشعوب المقهورة خاصة شعب فلسطين،،
الحي الجامعي الذي مر منه العديد من المثقفين والأدباء والشعراء والمحامون والقضاة،
والمهندسون والإداريون والموظفون السامون….
الحي الذي غنينا فيه أغاني الشيخ إمام ومارسيل خليفة وفيروز وسعيد المغربي وفرقة الميادين وعلت فيه زغاريد الطالبات لأمهات شهداء فلسطين ومعتقلين الرأي ..
الحي الجامعي بمقصفه ومطعمه وفضاءاته وأشجارة وأزهاره الملونة،، هو اليوم ركام من الأحجار والتراب…
الحي الجامعي مكون من مكونات جامعة سيدي محمد بنعبد الله بفاس، ألم يكن من الممكن الاحتفاظ به كجزء من ذاكرة هذه الجامعة؟
تحافظ الأمم على المعالم التاريخية والجامعات كمكون من مكوناتها لقرون وقرون وتطور علوما ومعارف وتجارب لصيانتها والحفاظ عليها ، فأين نحن من هذا؟
الحي الجامعي الذي ولدت بداخله أحلام آلاف الطلبة والطالبات بغد جديد يحقق العدالة الاجتماعية والديموقراطية ويرسم الابتسامة على الشفاه الضائعة ،،
هذا الحي،، بتاريخه الذي هو تاريخ آلاف وآلاف الطلبة والطالبات، أصبح في خبر كــــــــــان ..
الحدث بريس: أ.ب.