الحدث بريس : الصادق عمري علوي
كلنا يعرف إن قليلا أو كثيرا عن الرحالة المغربي الخالد كإنسان و كإسم يتردد في العقول والأذهان بعبارة : ( ابن بطوطة في الصين ) ” محمد بن عبد الله بن محمد اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة المولود في 24 فبراير 1304 – 1377م بطنجة) (703 – 779هـ) المؤرخ والقاضي الأمازيغي المتحدر من قبيلة لواتة والملقب بـأمير الرحالة المسلمين والذي خرج من طنجة سنة 725 هـ ، فطاف أرجاء بلاد المغرب ومصر ، والحبشة والشام والحجاز ، وتهامة ونجد والعراق ، وفارس واليمن وعمان ، والبحرين وتركستان ، ، وبعض بقاع الهند والصين الجاوة ، وبلاد التتار وأواسط أفريقيا …” واتصل بأقوامها زائرا ، متفاعلا ، مشاركا، (لامتفرجا راويا ) ، واصفا بشكل حي ميداني ماعاينه من حقائق ، وعادات وتجارب ، ونوادر وعجائب .
زار هذا العالم كل تلك البلاد وعرف بقاعها ، واتصل بأهلها العامة منهم والخاصة ، ثم عاد بعد تلك الرحلة العجيبة المضنية إلى موطنه ” المغرب الأقصى ” فاتصل بالسلطان أبي عنان المريني فأقام في بلاده ، وحين مقامه في بلاده وبين أهله ، أملى هذا العالم الفذ مجموع أخبار رحلته الفريدة على الفقيه الكاتب محمد بن جزي الكلبي بمدينة فاس سنة 756 هـ ” .
وأطلق عليها إسما رائعا ، يحمل معاني الذكاء والجمال ” تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار” .
يالها من تحفة ، هذه التحفة المغربية التي تجاوزت الصبغة المحلية ، معانقة الآفاق مسافرة كالعبير أصقاع العالم ، متخطية “الحدود الوهمية ” لبني البشر ، تداعب عيون وعقول ، وخيال الطلاب ، والعلماء والمفكرين بالجامعات والمراكز الدولية .
فقد ترجمت لأصالتها وواقعيتها ، وعفويتها – خصوصا أنها إنتاج عالم مغربي وعلماء المغرب مشهود لهم بالكفاءة دوليا – إلى العديد من اللغات ومنها البرتغالية والفرنسية والإنجليزية، ونشرت بها، كما تمت ترجمة فصول منها إلى اللغة الألمانية .
صاحب هذه التحفة الاستثنائية لم يحمل تعصبا عنصريا لجنس معين ، أو ملة معينة لقد كان ” يحسن التركية والفارسية “… حسب ماورد في سيرته ،وربما لغات أخرى محلية ، دعت إلى تعلمها ضرورة السفر ، والتواصل ، وشغف الإطلاع ، ونشر العلم ، خصوصا إذا علمنا أن ابن بطوطة كان فقيها وقاضيا ، يسبقه صيته قبل قدومه على القائمين على الأمصار والبلدان .
لنتصور أن الرحالة ابن بطوطة الذي استغرقت رحلته الطويلة 27 عاما من سنة ( 1325إلى 1352م) قام بيننا من جديد وسألناه عن هذا اللغط المحتدم حول “اللغات بالمغرب ” ومن الأولى بالتقديم ، لأجاب بابتسامة ربما تطبعها سمات الجد الرحيم ، الحازم في الآن نفسه ، دون أن يعمل كثير تفكير ولسان حاله يقول :
” حفدتي المغاربة .. أنتم تعلمون القصد من رحلتي الشاقة ، التي شاء الله أن تحملني قدماي إلى بلاد بعيدة قاصية ، كانت مجهولة بالنسبة لي ، لأزور من إليه تشد الركاب ، وتفسح بحبه الرحاب ، وتنجلي بقربه المآسي والصعاب ، محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا كان هذا الرسول النبي العربي مقصودي وهو صاحب الرسالة فلماذا لاتكون لغته مطلوبي .. ولم تكن رحلتي لتكتب وتدون ، وتدرس وتترجم من بعدي إلى مختلف اللغات ، لو حدث وكنت متعصبا للغتي المحلية ،سأكون مجبرا أن أعلم الناس الذين التقيتهم لغتي،ولكان ذلك يستغرق الكثير من المال والجهد، و كان بالتالي حائلا دون بلوغ غايتي ومرامي وإتمام رحلتي ..
حفدتي كل لغات العالم آية من آيات الله ، وماانتقص أحد من لغة إلادل ذلك على ضعفه وجهله وتعصبه ، هذا الأخير هو الحائط المانع من معانقة الحكمة والمعرفة … حفدتي الأعزاء إن الحب العارم لمعرفة العالم ، والذي كنت أحمله بين جوانحي ، هو الذي أجبرني على تعلم تلك اللغات العديدة ، وأتقنها وأخاطب الناس بها ، ،دون نسيان لغتي الأصلية والعقل البشري بالنظام والتكوين الذي أودع فيه من طرف الخالق سبحانه مذهل للغاية ، قادر على استيعاب و تعلم مئات اللغات .
وقد قيل قديما “من تعلم لغة قوم أمن شرهم ” تعلم اللغات كالماء والهواء وكنت في ذلك القصد كله أبحث عن الروح في كل شيء والأنس بنفحاته ، ” معتمدا حج بيت الله الحرام ، وزيارة قبر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، منفردا عن رفيق آنس بصحبته، وراكب أكون في جملته، لباعث على النفس شديد العزائم، وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة كامن في الحيازم. فحزمت أمري على هجر الأحباب من الإناث والذكور، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور، وكان والداي بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وَصَباً، ولقيت كما لقيا نَصَباً.»
“يعد ابن بطوطة كما ذكرته المعاجم والموسوعات والدراسات البحثية ، والجغرافية العالمية أحد أهم الرحالة قطع أكثر من 75,000 ميل (121,000 كم)، وهو رقم لم يكسره أي ” رحالة منفرد ” حتى ظهور عصر النقل البخاري، بعد 450 سنة” ( نقلا عن الموسوعة العالمية بتصرف ).
توفي عالمنا المغربي ” ابن بطوطة بطنجة سنة 779 هـ/1377م حيث يوجد ضريحه بالمدينة القديمة. تلقبه جامعة كامبريدج في كتبها وأطالسها ب “ـأمير الرحالة المسلمين الوطنيين. ” والقاريء لمائدته ، التحفة قد يخرج بأفكار واستنتاجات قيمة ، خصوصا اذا تسلح بمناهج الدراسات العلمية الحديثة في تناول نصوص التراث المغربي المشرق .