أعلنت السفارة الإسبانية في الرباط عن مساهمة مالية كبيرة في مشروع محطة تحلية مياه البحر بالدار البيضاء، الذي يُرتقب أن يكون الأكبر من نوعه في إفريقيا. المشروع، الذي سينجز بتعاون مع شركة “أكسيونا” الإسبانية، يندرج ضمن رؤية المغرب لتأمين الموارد المائية وتعزيز الأمن المائي في ظل تحديات التغير المناخي وندرة المياه.
المحطة الجديدة ستوفر قدرة إنتاجية سنوية تصل إلى 300 مليون متر مكعب من المياه، ستُخصص لتلبية الحاجيات المتزايدة لسكان جهة الدار البيضاء-سطات، وكذا لدعم الفلاحة المستدامة. ومن المرتقب أن تُنجز هذه المحطة خلال ثلاث سنوات، على أن تستمر مرحلة تشغيلها لمدة 27 سنة في إطار امتياز يدوم ثلاثين عاماً، مع التزام باستخدام الطاقات المتجددة لتقليص البصمة الكربونية للمشروع.
الدعم الإسباني يتوزع على ثلاث آليات مالية موجهة لتأمين التمويل اللازم لإنجاز المشروع. فقد منحت الحكومة الإسبانية قرضًا من صندوق FIEM بقيمة 250 مليون يورو، موجهًا لتمويل مرحلة البناء والتشغيل. كما تم تقديم قرض إضافي بقيمة 70 مليون يورو، مدعوم بتأمين يغطي 80% من قيمته، إضافة إلى مساهمة رأسمالية من صندوق FIEX بقيمة 31 مليون يورو لتعزيز حضور شركة “أكسيونا” في المشروع. بهذا الشكل، تبرز إسبانيا كفاعل أساسي ليس فقط في دعم تمويل المشروع، بل كذلك في تقديم خبرتها التقنية في مجال تحلية المياه، وهي خبرة اكتسبتها على مدى سنوات في مناطق مختلفة من العالم.
في البعد السياسي والاقتصادي، يحمل هذا الاستثمار أبعادًا استراتيجية مزدوجة. فمن جهة، يُرسّخ الحضور الإسباني في مشاريع البنية التحتية الحيوية بالمغرب، ويفتح آفاقًا جديدة أمام الشركات الإسبانية الراغبة في التوسع جنوب المتوسط. ومن جهة أخرى، يعكس ثقة مدريد في مناخ الاستثمار المغربي واستقراره المؤسساتي، كما يترجم الدينامية المتصاعدة في المبادلات التجارية بين البلدين، والتي بلغت 22.5 مليار يورو، مع توقعات بارتفاع الصادرات الإسبانية بنسبة 6% خلال سنة 2024.
المغرب من جانبه يواصل سياسة تنويع مصادر الماء من خلال تعميم مشاريع تحلية مياه البحر في المدن الساحلية الكبرى، كجزء من استراتيجية وطنية أوسع لضمان الأمن المائي في أفق 2030. وتُعد محطة الدار البيضاء تتويجًا لهذا التوجه، لما تمثله من أهمية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، سواء من حيث توفير الماء الصالح للشرب لما يقارب 7.5 ملايين نسمة أو دعم الزراعة في المناطق المجاورة.
هذا النوع من المشاريع الكبرى يعيد رسم خريطة التوازنات الجيو-اقتصادية في المنطقة، ويطرح في الآن ذاته أسئلة عميقة حول موقع الفاعلين الأوروبيين في التنمية المغربية، وما إذا كانت هذه الشراكات تعزز السيادة الاقتصادية للمغرب أو تعيد إنتاج أشكال جديدة من التبعية التقنية والمالية. لكن ما يبدو مؤكداً في هذه المرحلة هو أن المغرب لا يكتفي بالبحث عن التمويل، بل يسعى إلى استقطاب التكنولوجيا والخبرة ضمن مقاربة براغماتية تزاوج بين الحاجة الملحة للموارد وبين الرهان على الاستدامة والسيادة المائية.