قضت “مي خديجة” ليلة يلفّـها الرعب مخافة أن ينهار فوقها سقف بيتها الذي شيده زوجها قبل أزيد من 60 سنة بالزنقة 1 من حي “عرصة بنسلام”، قبالة شارع بوكراع، أمام فضاء “المعرض الدولي” بالمدينة القديمة للدار البيضاء
لم تغمض جفون “مي خديجة” منذ شروع السماء في الإمطار، حالها في ذلك كنظيره لـ2500 من العوائل التي يتهددها خطر انهيار بيوتها الكائنة المنطقة المحيطة بـ”العرصة”، وأذكت مخاوفها واقعة انهيار 3 من المنازل لا تبعد سوى بـ8 أمتار فقط على باب منزلها الذي يشاطرها إياه ابنها.
وتحاول العجوز، وهي أم لخمسة أبناء وتعتبر أحد السكان الأوائل بالتجمع السكني، تسريع وتيرة انتقال الأسرة إلى منزلها الجديد بـ”حي النسيم”.. لكنها تجابه عراقيل على مستوى الشركة الوطنية للتجهيز الجماعي، المعروفة اختصارا بـ”صوناداك”، لكون الأخيرة هي المشرفة على ترحيل سكان “لْمْدِينَة” لمستقرهم الحديث.
وتتفادى “مّي خديجة”، ضمن حديثها لهسبريس، تناول مشكلها مع “صوناداك” لوحدها، حيث تؤكد أن ما يزيد عن 150 أسرة، من اللواتي تعرف ناسها فردا فردا، تعيش وسط كابوس حقيقي جراء تشققات طالت الأبنية اللامة لهم وتفاقمت خطورتها على الجميع بسبب الأمطار الأخيرة التي تهاطلت على مدينة الدار البيضاء.
إلى جانب “مي خديجة”، التي مازالت تنتظر الاستفادة من شقتها بعد أدائها لأزيد من 135 ألف درهم، تتواجد خديجة بسيط وأبناؤها الأربعة، وكنوسي عائشة، وكريمة الأم لابنة واحدة، وباقي الأسر المائة والخمسين، أن “يرق قلب مسؤولي عمالة آنفا وصوناداك من أجل ترحيلهم لشقق تقيهم التقلبات المناخية وتوفر لهم الشروط الدنيا للحياة الكريمة” وفق تعابير المتخوفين.
محمد العوينة، رئيس مجلس الجهة لجمعيات الدار البيضاء، اعتبر أن الانهيار المسجّل للمنازل الثلاثة “ما هو إلا مؤشر على الأخطار التي تهدد كل يوم أزيد من 2500 أسرة في المنطقة التي يهمها مشروع المحج الملكي”..ويضيف العوينة، الذي يشغل أيضا منصب رئيس جمعية “الأبواب الخمس للمدينة القديمة”، أن هناك ما يناهز 2500 أسرة مهددة في كل من عرصة بنسلامة وحي التازارين ودرب بنحمان وزنقة كلميمة والملاح وجامع الشلوح والسيونية ودرب الكلب ودرب الفصة ودرب باشكو وزنقة مراكش وأحياء أخرى”.
وأضاف نفس المتحدث: “هذه الأحياء مهددة بالانهيار في أي لحظة، لأن كافة البيوت أضحت متهالكة لأن معظمها تم بناؤه منذ 60 وأزيد من ذلك بكثير، وقد شيدت بطرق تقليدية وتمت إضافة طوابق إضافية بدون ترخيص”.. بينما قال مصدر من ولاية الدار البيضاء، في معرض رده عن سؤال لهسبريس دون رغبة في نشر هويته، أن الخطة التي وضعتها السلطات المحلية للدار البيضاء من أجل مواجهة المخاطر التي تتهدد الأسر البيضاوية المقيمة في الدور الآيلة للسقوط في المدينة القديمة “تحددها تعليمات صارمة بأن يتحمل كل عامل من عمالة الدار البيضاء الكبرى مسؤولياته”.. وأضاف نفس المصدر: “بالنسبة لمشكل المدينة القديمة، فإن المسؤول المشرف على الملف هو عامل عمالة آنفا”.
ويقول المسؤولون عن تدبير الشأن العام بالدار البيضاء إنه سبق أنه تم وضع برنامج لترحيل آلاف سكان المدينة القديمة المعنية بالمشروع، حيث تم في سنة 1996 ترحيل ما يناهز 350 عائلة إلى حي النسيم، من طرف شركة صوناداك ليصل عدد الأسر التي تم ترحيلها إلى هذا الحي حوالي 2500 أسرة من أصل 12 ألف أسرة، التي تم الاتفاق على ترحيلها.. وفي انتظار تحريك الملف من جديد، مازالت “مي خديجة” ومن معها يفكرون في الكابوس المقلق الذي ينتظرهن كل ليلة، وذلك تحت تساقطات مطرية لا تقوَى المنازل على استقبال المزيد منها بسلام ودون وضع للأيادي على القلوب هلعا.