في إطار التشبع بثقافة حقوق الإنسان باعتبارها مطلبا كونيا لسكان العالم. فإن دراستها والإلمام بها وتطبيقها والنهوض بالمنظومة الأممية لحقوق الإنسان واجب مبدئي. إلى جانب التسلح بالمعرفة الحقوقية لمواجهة التحديات الحالية في مجالات الحقوق، باعتبارها مبادئ أخلاقية ومعايير اجتماعية تصف نموذجاً للسلوك البشري. والذي يفهم عموما بأنه مجموعة من الحقوق الأساسية التي لايجوز المس بها. وهي مستحقة وأصيلة لكل شخص لمجرد كونها أو كونه إنسان. فهي ملازمة لهم بغض النظر عن هويتهم أو مكان وجودهم أو لغتهم أو ديانتهم أو أصلهم العرقي أو أي وضع آخر. وحمايتها منظمة كحقوق قانونية في إطار القوانين المحلية والدولية.
كما أن هذه الحقوق تقر لجميع أفراد الأسر البشرية قيمة وكرامة أصيلة فيهم. وبإقرار هذه الحريات فإن المرء يستطيع أن يتمتع بالأمن والأمان، ويصبح قادراً على اتخاذ القرارات التي تنظم حياته.
وعلى هذا الأساس، تعتبر هذه الحقوق ركيزة أساسية للحرية والعدل وتحقيق السلام في العالم، وإن إغفال حقوق الإنسان أو التغاضي عنها لهو أمر يفضي إلى كوارث ضد الإنسانية، وأعمالا همجية، آذت وخلّفت جروحا عميقة في الضمير الإنساني. ولهذا فإنه من الضروري والواجب أن يتولى القانون والتشريعات الدولية والوطنية. حماية حقوق الإنسان بعيدا عن التمرد والاستبداد والظلم من جهة. ولكي لايشهد العالم والإنسانية مزيدا من الكوارث ضد حقوق الإنسان والضمير الإنساني من جهة أخرى.
الدكتور الجامعي “خالد الحمدوني”
في هذا الصدد، حاورت جريدة الحدث بريس، الدكتور الجامعي “خالد الحمدوني” بصفته أستاذ قانون لمادة حقوق الإنسان والحريات بالكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية، “جامعة مولاي اسماعيل”، على خلفية القرارات الوزارية القاضية بتدريس هذه المادة في كل من سلكي الثانوي التأهيلي والإعدادي، والذي أكد من خلال محاورته، أن تدريس مادة حقوق الإنسان، عبارة عن رهان كبير لايتمثل بالأساس في التشريعات وفي الأطقم الإدارية، على عكس ارتباطه بالتربية على المواطنة.
ولفت إلى أن تدريس حقوق الإنسان وأهمية تدريس ثقافته. وغرسها في أنفس التلاميذ في مستوى معين، ذات أهمية كبرى في ترسيخ مبادئ التسامح والتضامن واحترام الأخر، عبر منظومة التعليم. وشدد على أن هذا الأمر لاتقوم به المدرسة لوحدها. بل تلعب كل من الأسر والمجتمع المدني والإعلام والمعلم أدوارا كبرى في هذا المجال باعتبارها استراتيجية لابد منها. وجميع الإتفاقات تنص على تعزيز واحترام ثقافة حقوق الإنسان، بغض النظر على أن هذا الأخير ذو ثقل داخل المنظومة الدولية والوطنية عبر الترسانة القانونية والمواثيق والصكوك الدولية، التي جاءت عبر مخاض ومرحلة طويلة. إضافة إلى أنها مادة لاتدرس في ظل اجتياز الإمتحانات، فقط بل مادة من أجل معرفة حقوقنا كإنسان.
الأبعاد القانونية لحقوق الإنسان في المنظومة الجنائية المغربية
وعلى صعيد أخر، أفاد الدكتور الحمدوني بخصوص مايرتبط بالأبعاد القانونية لحقوق الإنسان في المنظومة الجنائية المغربية، حيث شدد أثناء مداخلته: “أننا نتحدث بالأساس عن العلاقة القائمة بين القانون الدولي و القانون الداخلي، على اعتبار أن القاعدة القانونية الدولية تصاغ وفق مكنزمات ووفق مناهج معينة تلعب فيها مجموعة من الإعتبارات دور مهم في صياغتها، على خلاف القاعدة الداخلية التي تكون لها سلطة واضحة في وضعها وهيأة محددة في تطبيقها والسهر على تنفيذها.
كما أبرز أن العلاقة التي تجمع بين القانونين في مجال حقوق الإنسان. تتمثل بشكل مركزي في كيفية تحويل قاعدة قانونية دولية إلى تشريع داخلي. كما أن المغرب من منطلق إلتزاماته بمجموعة من الإتفاقيات الدولية في مجال حقوق الإنسان، والتي لها صلة بالمنظومة الجنائية المغربية ككل. وعملا على محاولة ملائمة القانون الجنائي مع هاته الإتفاقيات الدولية. حيث شدد نفسه، على أن هذه “العملية ليست ذات ارتباط سياسي، بل تقنية تتمثل في تحويل قاعدة دولية إلى تشريع داخلي فقط”، بغض النظر على أنه لايمكن تحويل القواعد القانونية بين ليلة وضحاها وتطبيقها في بيئة معينة.
المحكمة الجنائية الدولية
وجدير بالذكر، أن القانون الجنائي المغربي وقانون المسطرة الجنائية، فهما قانونان يسهران على تحديد الأفعال المجرمة وتحديد العقوبات بخصوص هاته الأفعال. ومن جانب أخر، فإن المشرع المغربي، قام بتجريم هذه الأفعال وهي جرائم مضمنة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
فإن المغرب في هذا الصدد، لكي يتم استكمال مشروعه التشريعي في مجال القانون الجنائي، فهو مطالب بالمصادقة على “نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية”. كخطوة لتعزيز الحماية الواجبة لحقوق الإنسان إلى غير ذلك..، عبر الإجراءات المتخدة على مستوى المسطرة الجنائية، وعبر خلق التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، وتقديم تسهيلات إلى هذه الأخيرة.
وفي نفس السياق، شدد الحمدوني، من خلال ما سبق، أن المغرب مطالب أيضا بتنفيد هيأة الإنصاف والمصالحة. التي أوصت بضرورة المصادقة على نظام روما الأساسي، على اعتبار أن هذا الأخير آلية لحماية حقوق الإنسان وهو ما يطمح إليه المغرب من خلال منظومته الجنائية.
وعلى المستوى الإجرائي، فإن المغرب لائم تشريعاته الجنائية مع مجموعة من الإتفاقيات. حيث شدد على “تبنيه لجميع مبادئ القانون الجنائي في المسطرة الجنائية. كمبدأ قرينة البراءة ومبدأ حق الدفاع، ومبدأ عدم المحاكمة على الفعل مرتين، مبدأ عدم الإعتراف تحت التهديد، ومبدأ التقاضي على درجتين..” باعتبارها ضمانات تخول المحاكمة العادلة كحق من حقوق الإنسان. إلى جانب مختلف الجرائم التي تعاقب عليها الإتفاقيات الدولية، كالجريمة الإرهابيىة أو جريمة الإتجار بالبشر، أو اتفاقية محاربة التمييز ضد المرأة من خلال قانون محاربة العنف ضد النساء أو اتفاقيات حقوق الطفل، سواء الإتفاقيات الثنائية أو المتعددة الأطراف.
كما أن المشرع المغربي، جرم كل الإعتداءات التي تمس بالطفولة كالإغتصاب أو الإتجار بالأطفال. وفي سياق تطور العمل التشريعي المغربي، فإن المملكة المغربية لم تتوقف عن هذا الحد فقط. بل ضمنت مستجدات حديثة في دستور 2011 طبقا للفصل 23 منه، القاضي بمعاقبة جرائم الخرب ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية.
دعوة كل من رؤساء الجامعات المغربية بتنظيم ورشات وندوات للنهوض بثقافة حقوق الإنسان
وفي نفس السياق، أبدى الدكتور خالد الحمدوني رأيه بخصوص دعوة كل من رؤساء الجامعات المغربية. بتنظيم ورشات وندوات للنهوض بثقافة حقوق الإنسان بهدف الرقي، وحيث أفاد في تصريحاته على أن هذه “الدعوة ناجمة عن مجموعة من الإلتزامات الواردة في الصكوك الدولية لحقوق الإنسان. كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق الإقتصادية و الإجتماعية والثقافية. زيادة على المبادئ التوجيهية للجنة هذا العهد فيما يرتبط بالتعليم .. “.
ولفت د. خالد أن هذا الأمر، لاينحصر فقط في إصدار التشريعات وإنشاء الهيئات الإدارية. بل هناك الأن رهان كبير على التثقيف بحقوق الإنسان. وسيظل الهدف الأساسي لتعزيز قيم المواطنة وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان والسلم والأمن، باعتبارهم من الأمور التي تنبني من الفضاءات التعليمية.
ويذكر أن الكلية تلعب دورا محوريا في هذا الإطار، باعتبار أن الدور التقليدي للجامعة يتمثل في نشر المعرفة وبنائها. مما يساهم في تعزيز ثقافة حقوق الإنسان داخل المجتمع المغربي وداخل المجتمعات ككل.
صدقت:
على جميع رؤساء الجامعات تلبية النداء
صدقت أستاذي:
على جميع رؤساء الجامعات تابية النداء