حتى الراسخون في التوقعات والتحليلات السياسية لم يكن بمقدورهم التكهن بهذا السقوط المدوي لحزب العدالة والتنمية وبهذه الحصيلة المفاجئة. حزب أتى على صهوة الربيع العربي ليكون (بارشوك) لإرتدادات زلزال تونس،مصر وغيرها من الدول التي دفعت ثمن ألم حروق البوعزيزي ذات شرارة.
ربيع فتح الابواب لحزب النهضة بتونس والاخوان بمصر.. لكن الثورة المضادة وأزلام النظام السابق المدسوسة في مفاصل الدولة كان لها الكلمة الفصل في إجهاض حلم الديموقراطية والتداول على السلطة بهاته الدول. جغرافيا غير بعيد، لا أحد ينكر أن خطاب الملك في التاسع من مارس 2011 ودعوته للقيام بمراجعات دستورية عميقة كان بمثابة منعطف حاسم تجنب على إثره المغرب موجات ما وقع بدول هوت ليلا قبل بزوغ الفجر.. تعديلات دستورية وانتخابات شفافة سمحت لإخوان عبد الكريم الخطيب بفوز كاسح وتبوؤ المرتبة الاولى. الحالمون بالتغيير السياسي والطبقة المتوسطة والقريبون فكريا من المرجعية الاسلامية التي تمتح من الخطاب الديني لاستمالة الناخبين علقوا آمالا عريضا وأبدو حماسا منقطع النظير للفتوحات المبينة التي يمكن أن يحققها حزب العدالة والتنمية، منها محاربة الفساد والريع وتخليق الحياة العامة… مرت الأيام والسنون، فأبدت للأتباع والمتعاطفين ما كانوا جاهلون…ليتفاجأ المغاربة بعد ذلك بقرارت كان لها الوقع والبأس الشديد على المواطن ( تحرير المحروقات بدون تسقيف، قانون التعاقد.. وغيرها من القرارات ) التي حاولت الماكينة الخطابية لبنكيران التخفيف من هولها بحجة أن قوة الدولة واستمراريتها تحتم ذلك.
خطابات لم تفقد أمل الكتلة الناخبة لتجديد الثقة في الحزب مرة ثانية ذات خريف 2016 رغم المواجهة الشرسة مع حزب البام الذي صرح أمينه آنذاك يوما أن مشروع حزبه الايديولوجي هو مجابهة الاسلامين.. رغم ذلك فجولات بنكيران المكوكية في طائرة خاصة بين جهات المملكة وتجمعاته الخطابية ألهمت جموع الاتباع والمتعاطفين معه ليمنحوا العدالة والتنمية ولاية ثانية بأغلبية مريحة…
بعدها لم تتوقف قرارت الحكومة المعاكسة لما انتظره المغاربة منه ذات وعد. لينقلب هذا الوعد الى وعيد من طرف فئة عريضة من المغاربة لمحاسبة الحزب في انتخابات شتنبر 2021. عوامل كثيرة منها غياب الكاريزما السياسية والقدرة التواصلية لخليفة بنكيران، وغياب النتائج السياسية والاقتصادية، زيادة على بعض الفلتات التي سقط بها بعض أعضاءه ( قضية الشوباني.. أمينة مولان روج بباريس ،ممرضة يتيم بشوارع فرنسا، وفضيحة الفقيه الداعية ذات نسيم فجر بشواطئ البيضاء) فلتات نقيضة للمشروع الفكري والمرجعية الدينية للحزب، ماكنت لتمر مرور الكرام أمام المتربصين بكبواته في زمن شبكات التواصل التي تترصد الصغيرة والكبيرة، لتسقط حرمة وهيبة الحزب وتقية بعض الاتباع من أعين وقلوب المتعاطفين … كلها عوامل تظافرت ليخفت وهج الحزب ويفقد مصداقتيه ومصداقية بعض أتباعه ويصبح موعد سقوطه مسألة وقت فحسب. هذا الوقت كان هو الثامن من شتنبر الذي شكل منعطفا تاريخيا وحاسما لحزب العدالة والتنمية ليهوي مدويا ويفقد أزيد من 112 مقعد مما يجعله يفقد حتى شوكة المعارضة التي ساهمت قبل الربيع العربي في كسبه القوة والتعاطف من طرف الكتلة الناخبة. مفاجآت الاستحقاقات الاخيرة والتي تستدعي وقفة للتأمل كذلك هو اكتساح حزب الاحرار للنتائج المعلنة رغم ان الحزب كان جزءا من الحكومات السابقة بحقائب وزارية ثقيلة تجعله يتحمل منطقيا مسؤولية الإخفاقات والتعثرات التي بصمتها هاته الحكومات. في انتظار تشكيل أغلبية الخمس السنوات القديمة، أملنا أن يكون الفائز الوحيد في الأخير هو الوطن، وطن تسود فيه العدالة الاجتماعية والترابية. وطن تسود فيه الكرامة والحرية.