في الوقت الذي تضاعفت فيه أسعار الغاز الطبيعي في الأسواق الدولية في أقل من نصف عام، بدأت الازمة الدولية تلوح في الافق بين الدول المنتجة لهذه الطاقة والدول المستهلكة لها، أزمة برزت معالمها مؤخرا بسبب خفض الانتاج الموجه إلى اوروبا مما أدى إلى ارتفاع ثمن الغاز الروسي الذي يزود السوق الاوروبية بأكثر من 60%من الاستهلاك الداخلي، هذا الوضع أثار غضب امريكا أقوى حليف للقارة العجوز ودفعها للتحرك بسرعة خوفا من تهديد مصالحها الاستراتيجية الممتدة من اوروبا إلى باقي دول العالم.
وليس بعيدا عما يجري في الساحة الدولية حول الصراع عن مصادر الطاقة التي باتت تتحكم في صناعة الحلفاء وإعادة تشكيل الخريطة السياسية الدولية، حيث إن السعي وراء الطاقة النظيفة والغاز أصبحا يشكلان هاجس الدول العظمى من أجل السيطرة على اقتصاد العالم والتحكم في ثرواته، فقد بات المغرب وهو البلد الذي كان يعتبر إلى عهد قريب من مستعمرات فرنسا، من بين الدول المحورية في السياسة الدولية ساعده في ذلك موقعه الجغرافي المتميز ونهجه سياسة الانفتاح على باقي دول القارة الإفريقية خاصة بعد العودة القوية للاتحاد الإفريقي.
ومنذ ذلك الحين والجارة الجزائر لا تمل من نصب العداء للمغرب وتبحث عن أتفه الأسباب لافتعال الصراع. كما زاد الاعتراف الرسمي لأمريكا بمغربية الصحراء ونجاح سياسة الانفتاح الاقتصادي والسياسي التي نهجها المغرب بين معظم دول القارة الإفريقية من ارتفاع حدة التوتر بينهما.
كما أن الدبلوماسية المغربية لم تقف عند هذا الحد بل توجت باتفاق تاريخي بين المغرب ونيجيريا لإنجاز مشروع أنبوب الغاز الضخم الذي سيربط شمال افريقيا بغربها والذي سيمر عبر 11 دولة افريقية ستستفيد من هذا الغاز، هذا النجاح الباهر لم يرق للجزائر، فسارعت على الفور بقطع أنبوب الغاز عن المغرب ورفضها تجديد الاتفاقية رغبة منها في كبح جماح المغرب نحو التقدم والتشويش على سياسته لاستكمال وحدته الترابية، حيث لم تثنه كل المناوشات المفتعلة نحو تحقيق أكبر مشروع في القارة الافريقية، مشروع سيغير من موقعه السياسي على المستوى القاري والدولي بتكلفة مالية ضخمة تقدر ب25 مليار دولار وجدت فيه كل من أمريكا واوروبا ضالتها للتخلص من الغاز الروسي ولم تتأخرا عن تقديم كل الدعم اللوجيستي لإنجاز هذا المشروع الكبير.
جدير بالذكر، أن مشروع كل من أنبوب الغاز النيجيري ومشروع إمداد بريطانيا بالطاقة النظيفة هو بمثابة الاعلان عن التحاق المغرب بالدول العظمى عبر نهج سياسة جديدة مكنته من كسب مكانة متميزة في الاستراتيجيات الدولية، فالدول الصناعية الكبرى تواجهها تحديات كبرى والسباق نحو زعامة العالم يسير بخطى ثابثة ومن يمتلك أكثر يحكم أطول، والمغرب أصبح من الدول الفاعلة وله من الاوراق ما قد يثير اهتمام الدول العظمى في صناعة أو تشكيل أي تحالفات جديدة قد يعلن عن ميلادها في السنوات القليلة المقبلة.