“أمريكا لن تتردد في الرد”، بهذه العبارة أوعز الجنرال مايكل إريك كورولا، الذي تولى رئاسة القيادة المركزية الأميركية في أواخر يونيو، للعشرات من قوات العمليات الخاصة والمتدربين الأجانب المتمركزين في قاعدة التنف المترامية الأطراف في شرق سوريا. بعد أن باتت إيران وروسيا تعملان على استفزاز تلك القوات، وتمس “خطوط حمراء” أمريكية كما وصف كورولا.
سوريا مسرح المواجهة
ونقلت وسائل إعلام عن كورولا قوله: “سوف يضغطون من أجل إعادة رسم بعض الخطوط الحمراء. وآخر شيء تريد واشنطن القيام به حالياً هو بدء نزاع مع روسيا”. إلا أنه أكد أن قوات بلاده “ستدافع عن نفسها… ولن تتردد في الرد”.
وأوضح الجنرال الأمريكي أن سبب “الاستفزاز” الروسي للقوات الأمريكية بسوريا يعود إلى العقيد ألكسندر تشايكو. الذي عاد إلى الشرق الأوسط بعد فترة توقف فيها عن قيادة القوات الروسية في أوكرانيا. وتابع قائلاً: “لا نعرف إن كان رجلاً متفلتاً يحاول إعادة تأسيس وفرض نفسه؟”. متسائلاً عن “سبب هذا السلوك الأكثر عدوانية؟”.
وقامت مقاتلات روسية الشهر الماضي بضربة على قاعدة تابعة للمعارضة السورية في التنف. وهددت فيها الوجود الأمريكي بالقاعدة العسكرية التابعة للتحالف الدولي ضد داعش. إضافة إلى أن القوات الأمريكية اعترفت بقيام طائرات روسية بتهديد الطائرات العسكرية الأمريكية فوق سوريا، إلا أن القيادة المركزية رفضت تقديم المزيد من التفاصيل حول الأمر.
ولم يصب أي من الأفراد الأمريكيين بأذى في الضربة الروسية على التنف. لكن هذا “لم يكن عزاءً كبيراً لكورولا الذي وصف الحادث بأنه جزء من محاولة أوسع نطاقاً من جانب خصوم الولايات المتحدة لتأكيد هيمنتهم على المنطقة. بينما يراهنون على أن الولايات المتحدة لن ترد”.
خطوط حمراء أمريكية
وذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أن إدارة بايدن “لحظة فريدة من نوعها”. إذ “طغى موقف روسيا العدواني في أوروبا وسعي الصين إلى الهيمنة الإقليمية في المحيط الهادئ على التهديدات المألوفة. مثل تلك التي تشكلها إيران ووكلاءها، أو حتى تلك المتعلقة بالإرهاب”، حسب وصفها.
وتقول الصحيفة: “بينما تتطلع الحكومة الأمريكية إلى إعادة ترتيب الأولويات. فإن الحلفاء الرئيسيين في الشرق الأوسط، بما في ذلك السعودية والإمارات وإسرائيل، ينفذ صبرهم. ويدركون تماماً أن انتباه واشنطن ورأس مالها الحربي يتم جذبهما إلى أماكن أخرى”.
ونقل التقرير عن رافائيل كوهين، الباحث في الاستراتيجية والعقيدة العسكرية في مؤسسة “راند” قوله إن “السؤال الأكبر الذي يتعين على صناع السياسة الأمريكيين أن يتصارعوا معه. هو أنه في مرحلة ما فإن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة سوف يبحثون عن طرق لردع إيران بأنفسهم إذا لم يعتقدوا أن الولايات المتحدة ستردعها”.
استفزازات لأمريكا
وشهد شهر يونيو عدة حالات لما وصفه مسؤولون عسكريون أمريكيون بأنه أعمال “استفزازية” أو “تصعيدية” أو “غير آمنة وغير مهنية” من جانب روسيا وإيران.
وأوضح التقرير أن إيران انضمت إلى الاستفزازت ضد الولايات المتحدة. بما في ذلك حادث شبه مفاجئ في البحر عندما تسللت قوارب هجومية سريعة يديرها الحرس الثوري الإيراني إلى سفن أميركية في الخليج العربي. واقتربت بشدة من إحداها.
وهاجمت إيران في التنف ذاتها، بطائرات بدون طيار في أكتوبر الماضي. وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أنه “لايزال بالإمكان رؤية علامات الهجوم”.
ونقلت الصحيفة عن وليام ويشلر، مدير برامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي والمسؤول السابق في البنتاغون قوله: “تحاول إيران بشكل روتيني اختبار أين قد تكون الخطوط الحمراء الأميركية. وتسير إلى أبعد من ذلك”.
كما نقلت الصحيفة عن خبراء قولهم: “إن تقليص الولايات المتحدة لحجم قواتها في الشرق الأوسط بعد عقود من الحرب في أفغانستان والعراق، خلق فرصاً للخصوم لإظهار أنهم قوة لا يستهان بها”.
بايدن تسرّع
ونقلت الصحيفة عن متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، لم تكشف هويته، قوله إنه “لا يوجد شيء يأخذه الرئيس بايدن على محمل الجد أكثر من أمن الأفراد الأميركيين المنتشرين في الخارج”.
وقال المصدر للصحيفة: إدارة بايدن تصرفت بسرعة عند توليها منصبها لردع الهجمات التي تشنها الجماعات المدعومة من إيران. ونشرت مجموعة متنوعة من الأدوات، بما في ذلك الضربات العسكرية، بالإضافة إلى التدابير الدبلوماسية.
وقلصت الإدارة الأمريكية الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط وآسيا. ومنذ ذلك الوقت تنامت فرص المنافسين ومنهم إيران وروسيا والصين بسد الفراغ الحاصل بالمنطقة. إضافة إلى أن ابتعاد إدارة بايدن عن حلفائها لا سيما في الخليج وضعها بموقف محرج خصوصاً بعد الحرب الروسية في أوكرانيا. حيث رفضت تلك الدول التدخل والوقوف في الحلف الأمريكي.
زيارة بايدن
ويزور بايدن منطقة الشرق الأوسط منتصف الشهر الجاري. حيث يبدأ زيارته بإسرائيل ثم إلى السعودية. ويلتقي قادة عربا وخليجيين وإسرائيليين، حاملاً ملفات عديدة لطرحها في زيارته الأولى للمنطقة.
ويعتبر ملف إيران وروسيا والحرب الأوكرانية والتواجد الصيني المتنامي في المنطقة، بحسب خبراء، من بين الملفات البارزة التي يحملها الرئيس الأمريكي.
وتحاول واشنطن إعادة ضبط علاقاتها بالمنطقة وإيجاد صيغة جديدة تعيد توازن القوى في الشرق الأوسط، لمواجهة حلف روسيا والصين وإيران. وتعتبر سوريا المنطقة التي تشهد المواجهة الأكبر بين الدول المذكورة. سيما وأنها كلها تملك تواجدا عسكريا، وتدعم أطرافاً مختلفة على الأرض خلال الصراع المستمر منذ سنوات.
ووجهت انتقادات واسعة لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن نتيجة استبعاده ملفات الشرق الأوسط وخصوصاً سوريا من أولويات مهامها الخارجية.