في عالم تسوده تحولات جيوسياسية متسارعة وتكتلات اقتصادية معقدة، يعكس الوضع الدولي الراهن واقعًا يسوده قانون الغاب المغلف بشعارات حقوق الإنسان، حيث القوة والنفوذ هما المعيار الحاسم في تشكيل العلاقات الدولية.
تتعدد القوى الكبرى وتتفاوت مصالحها في كل زاوية من العالم، ما يفرض على الدول الصاعدة توخي الحذر والذكاء في استراتيجياتها لموازنة مصالحها والبقاء في ظل هذه المنافسات المحمومة. المغرب، بحكم موقعه الجغرافي وتاريخه الدبلوماسي العريق، يعد واحدًا من أبرز اللاعبين في هذا السياق المعقد.
على الرغم من مظاهر التعاون العالمي التي تتغنى بالعدالة وحقوق الإنسان، إلا أن حقيقة العلاقات الدولية تنكشف عندما نتأمل في الممارسات الفعلية للقوى العظمى.
الدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة، تستغل نفوذها العسكري والاقتصادي في إدارة ملفات سياسية حساسة، ولا يتوقف ذلك عند ترويج مبادئ الديمقراطية، بل في الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية.
إن الدول الصاعدة مثل المغرب تتمتع بفرص متعددة لاستغلال هذه التناقضات ضمن النظام الدولي لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية مستدامة.
في السنوات الأخيرة، أصبح المغرب من أبرز القوى الإقليمية التي تلعب على هذا التوازن، مستفيدة من موقعها الاستراتيجي في شمال إفريقيا والعلاقات القوية مع القوى الكبرى.
استطاع المغرب، على سبيل المثال، تحقيق اعتراف رسمي من الولايات المتحدة بسيادته على الصحراء الغربية في خطوة مفصلية تتماشى مع مصالح واشنطن في المنطقة.
هذا الاعتراف لم يكن مجرد تصرف سياسي، بل جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز التحالفات العسكرية والاقتصادية بين البلدين.
المغرب الذي يواجه تحديات إقليمية في ظل النزاع المستمر حول الصحراء المغربية، وتهديدات أمنية في منطقة شمال إفريقيا، يحسن استغلال هذه الظروف لبناء شبكة من التحالفات مع القوى الكبرى.
من خلال الشراكة الأمنية مع الولايات المتحدة والتعاون العسكري الوثيق، يضمن المغرب تعزيز مكانته الأمنية والجيوسياسية في المنطقة.
هذه الشراكات تسهم أيضًا في تعزيز الوضع الاقتصادي للمغرب، الذي يطمح إلى أن يصبح من الاقتصادات الرائدة في منطقة البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا.
في المقابل، يشهد التنافس الأمريكي الصيني في إفريقيا تصاعدًا كبيرًا، حيث تبذل الولايات المتحدة جهودًا لتعزيز وجودها في القارة السمراء لمواجهة التوسع الصيني المتسارع في السنوات الأخيرة.
مع تسارع المبادرة الصينية “الحزام والطريق” التي تضم مشاريع بنية تحتية ضخمة في إفريقيا، تجد القوى الغربية نفسها في سباق محموم لتعزيز وجودها في هذه القارة الغنية بالموارد الطبيعية.
وفي هذا السياق، يلعب المغرب دورًا محوريًا كداعم لسياسات واشنطن في المنطقة، مما يوفر له فرصًا جديدة لتعزيز دوره الجيوسياسي في أفريقيا.
المغرب يعتبر القارة الإفريقية محورًا أساسيًا في استراتيجيته المستقبلية.
القارة التي تتمتع بموارد بشرية وطبيعية هائلة ستظل مركزًا للأنظار في العقود المقبلة. من يتحكم في موارد إفريقيا، سواء من حيث المواد الخام أو القوى البشرية، سيكون له الكلمة الفصل في النظام الاقتصادي العالمي.
ولذلك، فإن تحالفات المغرب مع القوى الكبرى، خصوصًا الولايات المتحدة، ليست مجرد تحالفات أمنية واقتصادية فحسب، بل تمثل استثمارًا طويل الأمد في مستقبل المغرب وأفريقيا ككل.
العلاقات الدولية في عالم اليوم لم تعد مجرد تفاعلات بين دول على أساس القيم والمبادئ فقط، بل أصبحت تنطلق أساسًا من مصالح استراتيجية بحتة.
المغرب، بتوظيفه لموقعه الجغرافي واستراتيجياته الاقتصادية والدبلوماسية، يثبت نفسه كرقم صعب في معادلة التوازن الإقليمي والدولي.
وعليه، فإن الوضع الدولي سيظل متغيرًا بشكل مستمر، مما يتطلب من الدول الصاعدة مثل المغرب الحفاظ على قدرتها على التكيف واستغلال الفرص بما يحقق استدامتها على الساحة العالمية.