في الوقت الذي أعلنت فيه مفوضية الاتحاد الأوروبي عن تجاوز حجم المبادلات التجارية مع المغرب عتبة 60 مليار أورو خلال 2024، تعلو نغمة الاحتفال بالشراكة “الاستراتيجية” بين الطرفين، لكن قراءة متأنية لهذه الأرقام تفتح الباب أمام تساؤلات أعمق حول طبيعة هذا الترابط الاقتصادي، ومدى توازن المنافع داخله.
فالبيان يشير بوضوح إلى أن الاتحاد الأوروبي يستحوذ على حوالي نصف واردات المغرب، ويستقبل قرابة ثلثي صادراته. هذه الأرقام، وإن عكست انفتاحاً تجارياً عالياً، فإنها تُظهر أيضاً هشاشة تنويع الشركاء التجاريين لدى المغرب، واعتماده المفرط على سوق واحدة، ما يجعله عرضة لصدمات سياسية أو اقتصادية قد تضرب الاتحاد من الداخل، أو تغير أولوياته الخارجية.
من جهة أخرى، تشير المساهمة الأوروبية بأكثر من نصف حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى مركزية أوروبا في الدورة الاستثمارية الوطنية، وهو ما قد يُفسر أحياناً بضعف جاذبية المغرب لباقي القوى الاقتصادية الصاعدة (كالصين، الهند، أو دول الخليج)، أو بعوائق تتعلق بالبيروقراطية وغياب الشفافية في تدبير مناخ الأعمال.
هذا الاعتماد المكثف على أوروبا، وإن كان مفهوماً بالنظر إلى الجغرافيا والتاريخ، يُعيد النقاش حول السيادة الاقتصادية، وقدرة المغرب على بناء شراكات متوازنة تُراعي مصالحه الاستراتيجية وتُقلص من التبعية. فالمسألة لم تعد مجرد تبادل تجاري، بل ترتبط أكثر فأكثر بقضايا الأمن الغذائي، والتحول الطاقي، والتحكم في التكنولوجيا والبيانات، وهي مجالات ما تزال فيها الكفة تميل بشكل واضح لصالح الطرف الأوروبي.
أخيراً، فإن الرقم القياسي المسجل لا ينبغي أن يُقرأ فقط كإنجاز رقمي، بل كمرآة لواقع اقتصادي يتطلب تفكيراً نقدياً في اتجاه تعزيز الاستقلالية، تنويع الشركاء، وربط النمو بالتحصين الاجتماعي وليس فقط بالأداء التجاري.