أظهرت دراسة حديثة، أنجزها مكتب خارجي مستقل لفائدة وزارة الصناعة والتجارة، محدودية تفاعل المستهلكين المغاربة مع آليات حماية حقوقهم، سواء من خلال تقديم الشكاوى أو تتبع الانتهاكات، في سياق تتسارع فيه التحولات المرتبطة بالرقمنة والعولمة، ما يزيد من تعقيد التحديات المطروحة أمام الفاعلين في مجال حماية المستهلك.
وكشف التقرير، الذي قُدم من طرف مدير مكتب الدراسات بالوزارة، أن 70% من المستهلكين يدركون وجود إطار قانوني يضمن حمايتهم، غير أن 18% فقط لديهم معرفة دقيقة بمضامين القانون رقم 31.08 المتعلق بحماية المستهلك. ورغم هذه المحدودية المعرفية، عبّر 59% من المشاركين في الدراسة عن ثقتهم الجزئية أو الكاملة في فعالية هذا القانون، بينما اعتبر 66% أن العقوبات الحالية لا تحقق الردع المطلوب.
وفي الجانب المؤسساتي، قيّم التقرير بشكل أولي إيجابي برنامج الدعم المالي المخصص للفيدراليات والجمعيات العاملة في مجال حماية المستهلك، المنجز بشراكة مع الوزارة وعدد من الفاعلين الوطنيين. وأبرز التقرير توافق أنشطة هذه الفيدراليات مع أهداف الاتفاقيات الموقعة، وتسجيل تأثير ملموس لدى المستفيدين من تدخلاتها.
وقد مرت الدراسة بثلاث مراحل رئيسية، انطلقت بورشات عمل لتشخيص المنظومة الحالية وتقييم منجزاتها خلال السنوات الثلاث الأخيرة، تلتها دراستان ميدانيتان، شملت إحداهما عينة وطنية مكونة من 1067 مستهلكًا موزعين على 12 مدينة، بينما ركزت الثانية على مستفيدين مباشرين من خدمات الجمعيات.
وأشار التقرير إلى وجود أكثر من 60 شباكًا للمستهلك عبر التراب الوطني، تلعب دورًا محوريًا في التوعية والإرشاد، لكنه أوصى بإعادة النظر في توزيعها الجغرافي لتحقيق الإنصاف المجالي في الوصول إلى خدمات الحماية.
في المقابل، حذرت الدراسة من تحديات بنيوية تعيق فعالية الأداء، أبرزها الاعتماد شبه الكلي للفيدراليات على التمويل العمومي في غياب مصادر تمويل بديلة، إضافة إلى ضعف تفاعل بعض المؤسسات الرسمية، ما يُقوض ثقة المستهلكين ويُضعف من قدرة الجمعيات على لعب دور الوسيط الفعال.
واختتم التقرير بعدد من التوصيات الاستراتيجية، أبرزها تبني مقاربة استباقية وشاملة لحماية المستهلك، توسيع استخدام الرقمنة في التبليغ والتتبع، تعزيز التنسيق المؤسساتي بين مختلف المتدخلين، وتوحيد المساطر والإجراءات لضمان نجاعة التدخلات وتحقيق الأثر المرجو على أرض الواقع.