في تطور بالغ الأهمية على صعيد حماية مصالح الجالية المغربية بالخارج، أعلن عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، عن التوصل إلى اتفاق وشيك مع الخزينة الفرنسية، من شأنه إنهاء أزمة القيود الأوروبية المفروضة على التحويلات المالية لمغاربة العالم. جاء ذلك خلال ندوة صحافية عقدها مساء الثلاثاء الماضي بالعاصمة الرباط، حيث كشف الجواهري عن تفاصيل مسار تفاوضي طويل وشاق، قاده المغرب بنهج استراتيجي مدروس، لتفادي انعكاسات سلبية كانت تلوح في الأفق المالي والاقتصادي.
وتأتي هذه الخطوة عقب قرار اتخذته دول الاتحاد الأوروبي، بعد خروج بريطانيا من التكتل سنة 2020، يهدف إلى تشديد الرقابة على التحويلات المالية القادمة من دول غير منضوية تحت لوائه. وكان القرار يفرض على فروع البنوك المغربية بأوروبا أداء رسوم جديدة على ودائع المغتربين، ما كان من شأنه رفع تكاليف التحويل وتقليص جاذبية القنوات البنكية الرسمية، وهو ما أثار قلقاً واسعاً لدى السلطات المغربية.
ولتطويق هذه التداعيات المحتملة، بادرت المملكة إلى تشكيل لجنة خاصة تضم كلا من بنك المغرب، والبنوك المعنية، إلى جانب وزارتي الخارجية والاقتصاد والمالية. وقد تولت هذه اللجنة قيادة مفاوضات مع شركاء متعددين داخل الفضاء الأوروبي، بما في ذلك المفوضية الأوروبية، سعيًا لشرح خصوصية وضعية الجالية المغربية، وأهمية الحفاظ على سلاسة قنوات التحويل البنكية.
غير أن النتائج الأولية لهذه المفاوضات لم تكن على مستوى التطلعات، ما دفع الجانب المغربي إلى تعديل نهجه التفاوضي. وبحسب الجواهري، فقد تم اختيار فرنسا كنقطة انطلاق للمرحلة الجديدة من الحوار، بالنظر إلى احتضانها لأكبر تجمع لمغاربة العالم، والذين يمثلون نحو ثلث حجم تحويلاتهم السنوية، حسب بيانات مكتب الصرف.
هذه المقاربة الجديدة أظهرت نجاعتها، إذ تمكنت الأطراف المعنية من التوصل إلى توافق مع الخزينة الفرنسية، من المرتقب أن يتم توقيعه رسمياً خلال الشهر المقبل. ويُنظر إلى هذا الاتفاق على أنه مكسب مزدوج: فهو من جهة يؤمن حقوق الجالية المغربية ويخفف عنها أعباء مالية غير مبررة، ومن جهة أخرى يكرس الاستقرار المالي والاقتصادي الوطني، من خلال ضمان استمرارية تدفق موارد مالية تعد من أبرز مصادر العملة الصعبة في البلاد.
ويُتوقع أن يفتح هذا النجاح الباب أمام حوارات مماثلة مع باقي الدول الأوروبية، خاصة بعد أن رسخ المغرب نموذجًا تفاوضيًا يوازن بين الواقعية السياسية والدفاع عن المصالح الحيوية لمواطنيه في الخارج.