أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بإنشاء سلسلة قيمة وطنية مستدامة ومتجانسة للنفايات الكهربائية والإلكترونية، باعتبارها رافعة استراتيجية نحو اقتصاد دائري مسؤول ومنتج. وأكد المجلس في رأيه الأخير المعنون بـ”من أجل اقتصاد دائري للأجهزة الكهربائية والإلكترونية.. من نفايات إلى موارد”، أن الأجهزة الكهربائية والإلكترونية باتت محركًا أساسيا للتطور التكنولوجي في عدد من القطاعات الحيوية مثل الصناعة، والصحة، والتنقل، والتعليم، والاتصالات، إلى جانب الاستخدامات المنزلية التي تعرف نموا متواصلا في سياق التحول الرقمي.
وأبرز المجلس أن هذا التزايد الكبير في استخدام هذه الأجهزة أدى إلى ارتفاع مقلق في حجم النفايات الناتجة عنها، حيث بلغ مجموعها ما يقارب 177 ألف طن سنة 2022، ومن المتوقع أن يتجاوز 213 ألف طن بحلول سنة 2030. ورغم التحديات البيئية والصحية التي تطرحها هذه الكميات، فإنها تمثل في الوقت ذاته فرصة اقتصادية واعدة لاسترجاع وتثمين مواد ومعادن ثمينة قابلة لإعادة الاستخدام، بما يساهم في تحقيق التنمية المستدامة ودعم الاقتصاد الوطني.
ويرى المجلس أن إعادة تدوير نفايات الأجهزة الكهربائية والإلكترونية لا تقتصر على الحد من التلوث البيئي، بل تتيح أيضًا الحفاظ على الموارد الطبيعية، خصوصًا المعادن النادرة والحرجة، وتفتح آفاقًا لتطوير سلاسل صناعية مبتكرة وقادرة على خلق فرص الشغل محليًا. غير أن استغلال هذه الإمكانيات ما زال محدودًا، حيث لم تتجاوز نسبة النفايات المعاد تدويرها 13 في المئة سنة 2020، نتيجة لعوامل عديدة، أبرزها عدم ملاءمة الإطار القانوني الحالي، وغياب تنسيق فعال بين الفاعلين، وهيمنة القطاع غير المهيكل الذي يتصرف في جزء كبير من هذه النفايات خارج القنوات المنظمة، مما يؤدي إلى ضياع موارد استراتيجية ثمينة.
وانطلاقًا من هذا التشخيص، شدد المجلس على ضرورة إنشاء منظومة وطنية متكاملة لمعالجة هذه النفايات، تنطلق من مرحلة التصميم إلى التثمين، وفق مقاربة مندمجة تشاركية. ومن بين أبرز التوصيات التي قدمها المجلس، مراجعة التصنيف القانوني للنفايات الكهربائية والإلكترونية، التي تُدرج حاليًا ضمن النفايات الخطرة، بشكل لا يراعي محتواها من المواد الأولية الاستراتيجية، واقتراح إدماج أنواع جديدة من النفايات مثل الألواح الشمسية ومعدات التنقل الكهربائي والهجين ضمن المنظومة القانونية المعتمدة.
كما أوصى المجلس بإدماج مبادئ التصميم الإيكولوجي، وفرض التزامات واضحة تتعلق بقابلية الإصلاح والاستدامة، إلى جانب تنظيم عمليات استرجاع المعدات المنتهية الصلاحية في إطار “المسؤولية الموسعة للمنتجين”، مع تحديد الأدوار المنوطة بجميع الأطراف المعنية، خاصة الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية. ودعا المجلس أيضًا إلى إعداد جرد وطني للمواد والمعادن الاستراتيجية الموجودة في هذه النفايات، وإنشاء مصنف موحد لتتبع مكوناتها عبر مراحل سلسلة المعالجة.
ولتفعيل هذا التوجه، اقترح المجلس وضع آليات تحفيزية مالية وضريبية موجهة للمنتجين والموزعين والفاعلين في التدوير، وتهيئة مطارح متخصصة تستجيب لمعايير بيئية وصحية دقيقة، إلى جانب إدماج القطاع غير المهيكل من خلال تشجيع العاملين فيه على الانخراط في تعاونيات أو مجموعات ذات نفع اقتصادي.
ومن بين التوصيات اللافتة، اعتماد وسم إلزامي على الأجهزة الكهربائية والإلكترونية يتضمن عبارة “لا يرمى في القمامة”، ومعلومات تقنية تسهّل عملية الإصلاح والتفكيك والصيانة، وتوضح وجود أي مكونات خطرة. كما دعا المجلس إلى تعزيز الشراكات على المستويين الإقليمي والإفريقي من أجل تجميع الكميات الضرورية لتحقيق مردودية عالية للبنيات التحتية، وتطوير سلسلة قيمة إقليمية في مجال إعادة تدوير هذه النفايات.
ويأتي هذا الرأي في سياق استكمال المجلس لأعماله السابقة المتعلقة بإدماج الاقتصاد الدائري في تدبير النفايات المنزلية والمياه العادمة، بهدف بلورة رؤية استراتيجية متكاملة تضمن تحولا بيئيًا واقتصاديًا عميقًا في تدبير الموارد والنفايات بالمغرب.