هل يقبل “مقدم” ألماني أو سويسري الاشتغال 24 ساعة وبراتب لا يتجاوز 250 أورو؟
من حق المغرب أن يفتخر بتجربة «المقدمين» و»الشيوخ»، بالنظر إلى ما قدمه هؤلاء الرجال إلى البلد من جهد ومن معلومات عن تحركات مشبوهة لأشخاص أو جماعات، وضبط كل صغيرة وكبيرة.
لكن أن يتحدث البعض عن إعجاب دول أوربية ورغبتها في استنساخ التجربة المغربية، فهذا لا يقبله العقل السليم ولا الواقع المعاش.
كلام استنساخ التجربة صدر عن محمد حصاد، وزير الداخلية، أمام نواب الأمة، في جلسة عقدت الأسبوع الماضي، حينما رد على بعضهم بعد أن نبهوه إلى الوضعية الاجتماعية الهشة التي يعيشها «المقدمون» و«الشيوخ»، وطلبوا منه الزيادة في أجورهم ودمج التعويضات التي يتلقونها في الراتب الأساسي، حتى يستفيدوا منه بعد حصولهم على التقاعد، فجاء رد الوزير، الذي بدا واثقا من ضبط المجال، «مفعفعا» للنواب، إذ قال لهم بالحرف «الشيوخ والمقدمين كنتفاهمو معاهم خليونا منا ليهم»، قبل أن يذكرهم بتضحياتهم، إذ يشتغل بعضهم 24 ساعة على 24، طيلة مسارهم المهني ويواصلون تقديم الخدمات والتضحيات حتى بعد أن يتجاوزوا ستين عاما.
الشق الأول من كلام الوزير لم يأت فيه بجديد لأن جميع المغاربة يعرفون أن «المقدم» و«الشيخ» هما عين السلطة التي لا تنام، ومنبع المعلومة، وقيامهم بعملهم بالشكل الذي يطلب منهم يتطلب العديد من التضحيات، وأحيانا التضحية بالكرامة من أجل خدمة الوطن، لكن الشق الثاني الذي تحدث فيه وزير الداخلية عن رغبة بعض الدول الأوربية في استنساخ التجربة المغربية والعمل بها، يبدو حماسة زائدة، ورغبة من الوزير في التباهي أمام البرلمانيين لا أقل ولا أكثر.
سبب قول هذا الكلام أن التجربة المغربية في «الشيوخ» و«المقدمين» هي تجربة خالصة لا يمكن أن تتكرر في تجارب أخرى، لسبب بسيط هو أن هذه الدول الأوربية لن تحصل على موارد بشرية قادرة على العمل 24 ساعة كما قال الوزير، وبالأجر الذي يعرفه الجميع والذي لا يتعدى 1300 درهم خالصة تضاف إليها بعض التعويضات التي لا تحتسب بعد الحصول على التقاعد.
وحتى نقرب الصورة، نفترض أن ألمانيا أعجبت بالتجربة، فقررت أنجيلا ميركل تعيين مقدمين وشيوخ. أول إشكال سيطرح هو الراتب، هل سيكون راتبهم متوازيا مع حجم التضحيات والمجهودات التي يقدمونها. الأكيد أن ميركل لن تخالف ما يقتضيه المنطق، والأكيد أنها ستخصص لهم راتبا محترما، مع تمتيعهم بجميع الامتيازات، من بينها عطلة نهاية الأسبوع والعطل المرضية وعطل والعطلة السنوية.
وهنا يبدأ الغلط ويكمن مربط الفرس، إذ ستحكم ميركل على تجربة المقدمين والشيوخ بالفشل، بالنظر إلى أن قوة المقدم، سواء أكان ألمانيا أو سويسريا هو التضحية بكل شيء، التضحية بالوقت وبالراتب وبالحياة الشخصية والعامة، وهذا مالا يقبله غير المقدم المغربي الذي وضع نصب عينيه وهو يتقدم بطلب الحصول على هذه الصفة، أنه دخل مجال التضحيات من بابه الواسع.
قوة المقدمين والشيوخ في المغرب في تضحياتهم من أجل خدمة هذا البلد، ولذا فمكافأتهم مطلوبة بل وملحة، حتى لا تتحول هذه التضحية إلى قهر وحاجز أمام المزيد من العطاء.
الصديق بوكزول.