ثورة طبية : تحويل آلية رفض زراعة الأعضاء إلى سلاح فعّال ضد السرطان

0

في إنجاز علمي غير مسبوق، نجح باحثون صينيون في تحويل الاستجابة المناعية، التي تؤدي عادةً إلى رفض زراعة الأعضاء، إلى أداة فعّالة لمكافحة السرطان. ووفقاً لدراسة نُشرت في مجلة Cell، فقد طوّر فريق البحث تقنية جديدة تُعرف باسم “تحويل الورم إلى لحم خنزير”، والتي أدت إلى استجابة مناعية مفرطة ضد الخلايا السرطانية، وحققت نسبة نجاح مذهلة بلغت 90%. بل وتمكنت من علاج مريض مصاب بسرطان عنق الرحم المتقدم، مما يفتح آفاقاً جديدة لعلاج هذا المرض الفتّاك.

لطالما شكلت مقاومة الجهاز المناعي للأجسام الغريبة تحدياً أمام عمليات زراعة الأعضاء، حيث يعاني ما بين 10% إلى 20% من المرضى من رفض العضو المزروع بعد العملية. إلا أن فريقاً بحثياً بقيادة البروفيسور تشاو يونغشيانغ، مدير المختبر الوطني الرئيسي لعلم الأورام الاستهدافي في جامعة جوانجشي الطبية، استطاع تحويل هذه العقبة إلى فرصة من خلال استغلال آلية الرفض المناعي لمهاجمة الخلايا السرطانية.

تعتمد التقنية على خداع الجهاز المناعي عبر جعل الأورام السرطانية تبدو وكأنها أنسجة خنزيرية غريبة، مما يدفع الجسم إلى تفعيل استجابة مناعية قوية تدمر الورم بالكامل. ولتحقيق ذلك، استخدم الباحثون فيروس نيوكاسل (NDV)، وهو فيروس حميد نسبياً للبشر لكنه قادر على إصابة الخلايا السرطانية. وقاموا بحقن جين مستخرج من الخنازير داخل الفيروس، مما أدى إلى تطوير نسخة معدلة تُعرف باسم NDV-GT. وعند إدخال هذا الفيروس إلى الخلايا السرطانية، أصبحت الأورام تحمل علامة بيولوجية أشبه بالخلايا الخنزيرية، مما أدى إلى استجابة مناعية رفضت الورم بشكل كامل.

بعد نجاح التجارب على الحيوانات، بما في ذلك القرود، انتقل الباحثون إلى التجارب السريرية البشرية. وشارك في الدراسة 23 مريضاً يعانون من سرطانات مستعصية، مثل سرطان الكبد، المبيض، عنق الرحم، والرئة. تلقى المرضى حقناً وريدية وأخرى داخل تجويف البطن مرة أسبوعياً لمدة تتراوح بين 8 إلى 12 أسبوعاً. وكانت النتائج مشجعة، حيث أظهرت التجارب:

تحسناً جزئياً لدى بعض المرضى.

شفاءً سريرياً كاملاً لدى آخرين.

توقف نمو الأورام بشكل ملحوظ في بعض الحالات.

والأهم من ذلك، أن العلاج حقق نسبة نجاح بلغت 90% مع آثار جانبية طفيفة فقط. ويسعى الفريق البحثي الآن إلى إجراء المراحل الثانية والثالثة من التجارب السريرية لتقييم فعالية العلاج على نطاق أوسع وضمان سلامته قبل إتاحته للاستخدام الطبي.

إذا استمرت النتائج الإيجابية، فقد نشهد ثورة حقيقية في علاج السرطان، حيث يتم تسخير جهاز المناعة ليحارب المرض بنفس القوة التي يهاجم بها الأجسام الغريبة، مثل الأعضاء المزروعة أو الخلايا الخنزيرية. وإذا اجتاز العلاج المراحل النهائية بنجاح، فقد يصبح السرطان، الذي طالما اعتُبر عدواً مراوغاً، عرضة للهزيمة بسلاح لم يكن متوقعاً: جهاز المناعة ذاته.

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد