في الوقت الذي يستعد فيه المغرب وفرنسا لإجراء مناورات “شرقي 2025” في سبتمبر المقبل، يشهد الجوار الجنوبي للمملكة موجة من الاستنفار الجزائري، التي تعكس حالة من الارتباك على المستوى السياسي والعسكري. في المقابل، يتعامل المغرب مع هذه المناورات كجزء من برنامجه العسكري الروتيني، دون أن يولي اهتماماً كبيراً للردود المبالغ فيها من الجزائر. ففي حين يحاول النظام العسكري الجزائري تصوير المناورات مع روسيا على أنها رسالة ردعية تجاه المغرب، يتصرف الأخير بمهنية وبعقلانية، بعيداً عن الضجيج الإعلامي.
تستعرض الجزائر في تحركاتها الرسمية الاستنفار الدبلوماسي، حيث تقوم باستدعاء السفير الفرنسي وتصدر بيانات غاضبة، كما تعتمد على ما يسمى “الذباب الإلكتروني” لترويج سيناريوهات مغايرة للواقع. وهو ما يشير إلى أن النظام الجزائري يسعى إلى جذب الانتباه الإعلامي، والظهور بمظهر المدافع عن مصالحه الوطنية في ظل حالة التوتر المتزايد. إلا أن هذه الاستعراضات العسكرية والسياسية تظل، في نظر المغرب، غير ذات تأثير على استراتيجيته الدفاعية.
على العكس من ذلك، نجد أن المغرب يتبنى نهجاً هادئاً ومخططاً في تحركاته العسكرية. فمناورات “شرقي 2025” جزء من مسار طويل من التعاون العسكري مع دول كبرى مثل فرنسا، وهو ما يعكس استراتيجية دفاعية بعيدة عن ردود الفعل العاطفية والانفعالية. وهذا يعكس ثقافة سياسية وعسكرية ناضجة تعي أن التصعيد الإعلامي ليس هو السبيل لتحقيق الأمن والاستقرار.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا تتسم ردود الفعل الجزائرية بهذا المستوى من الارتباك؟ هل هو مجرد استعراض سياسي داخلي بهدف تصدير صورة القوة أمام الرأي العام؟ أم أن هناك مخاوف حقيقية من تفوق المغرب في مجالات التعاون العسكري مع دول ذات ثقل عالمي؟ الأرجح أن النظام الجزائري يشعر بنوع من القلق العميق تجاه استراتيجية المغرب المدروسة، التي لا تحتاج إلى الاستعراض الإعلامي أو التصعيد. وبالمقابل، يبدو أن الجزائر تحاول في كثير من الأحيان تعويض نقص القوة العسكرية الحقيقية بتكتيك إعلامي يهدف إلى التأثير على الرأي العام المحلي والدولي.
في نهاية المطاف، قد يكون هناك جانب آخر لهذه المناورات، وهو تعزيز الشراكات الاستراتيجية للمغرب التي تضمن له قوة ردع حقيقية قائمة على التحالفات العسكرية مع قوى عظمى. المغرب لا يحتاج إلى رفع الشعارات أو الانزلاق إلى التصعيد؛ بل يواصل التحرك بخطى ثابتة، مدعومة بشراكات قوية، مما يجعل تحركات الجزائر لا تعدو كونها ردود أفعال غير مؤثرة في إطار سياسة أمنية وطنية تراعي المتغيرات العالمية.