تعد القرية الأولمبية، التي جرى إفتتاحها رسميا الخميس الماضي، و تم تشييدها على مساحة 54 هكتارا في الضاحية الشمالية لباريس، أكثر من مجرد مجمع سكني للرياضيين.
فهي فضاء حياة يلتقي فيه الرياضيون من جميع أنحاء العالم، و يختلط فيه المعتادون على منصات التتويج مع أولئك الذين يطمحون لتسجيل أسمائهم في تاريخ الأولمبياد لأول مرة.
و بالنسبة للمقيمين ال14 ألف و 500 (من رياضيين و مرافقين)، تبدأ مغامرة باريس 2024 من هذه القرية. فمنذ إفتتاحها، إستقبل المجمع أكثر من 8000 مقيم.
و شرعت البعثة الرياضية المغربية، منذ الخميس الماضي، بالتوافد إلى القرية بمساعدة الفرق التشغيلية التابعة للجنة الوطنية الأولمبية المغربية، التي تتولى كل الأمور اللوجستية المتعلقة بإنتقال الرياضيين المغاربة. و يتوافد الرياضيون إلى باريس تدريجيا للتأقلم و مواصلة إستعداداتهم.
في هذا السياق، وضعت اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية آلية مخصصة لصالح الفدراليات الملكية المغربية المعنية، مما يسمح للرياضيين و مرافقيهم بالسفر إلى باريس من الخارج أو من المغرب.
و بالتوازي مع ذلك، قامت فرق اللجنة الوطنية بجميع الإجراءات اللازمة لدى لجنة تنظيم باريس 2024 لتسجيل البعثة الرياضية المغربية و إستقبالها في القرية الأولمبية في أفضل الظروف.
و داخل القرية، التي لا يمكن الولوج إليها إلا من قبل الرياضيين و فرقهم التقنية، لم يتردد بعض الرياضيين في توثيق خطواتهم الأولى في هذا المجمع، الذي يمتد على ما يعادل 70 ملعب كرة قدم، على وسائل التواصل الإجتماعي.
و عندما وصلوا إلى غرفهم، إكتشفوا، دون أن يخلو الأمر من التسلية، الأسرّة الغريبة المصنوعة من الورق المقوى المكتوب عليها “إحلم بإنجازاتك في الغد”، أو الأثاث المزخرف المصنوع من مواد قابلة لإعادة التدوير بنسبة 100 بالمائة.
و 345 ألف هو إجمالي عدد قطع الأثاث المستخدمة لتزيين شقق القرية البالغ عددها 2800 شقة. و جزء من هذا الأثاث ياتي من سلاسل إعادة التدوير، مثل الوسائد المصنوعة من قماش المظلات، و الطاولات المصنوعة من كرات الريشة بنسبة 90 بالمائة، و الكراسي و الأرائك و المقاعد و الأسرّة القابلة للتمديد المصنوعة من الورق المقوى. و في نهاية دورة الألعاب، سيتم إعادة تدوير كل هذا الأثاث.
و حرص مصممو هذا المشروع العملاق على إحترام المعايير البيئية قدر الإمكان.
هكذا، صُممت القرية للتكيف مع الظروف المناخية لعام 2050، مع 6 هكتارات من المساحات الخضراء، و الحدائق و المنتزهات (الشوارع و الشرفات و الأسطح)، و إعادة إستعمال المياه العادمة المعالجة للسقي، و أرضيات التبريد و الزجاج الثلاثي.
لقد تم التفكير في كل شيء لتوفير الراحة الحرارية و ضمان درجة حرارة أقل من 6 درجات مئوية على الأقل من درجة الحرارة الخارجية للرياضيين و الساكنة في المستقبل. نعم، ساكنة المستقبل، لأن هذا المجمع، الذي إستغرق تشييده 6 سنوات، سيتحول إلى 2800 منزل جديد (2000 للأسر و800 للطلبة). كل هذا بسعة إجمالية تبلغ 6000 نسمة.
و تُعد القرية الأولمبية مدينة صغيرة حقيقية، حيث تظل الأجواء هادئة في الوقت الحالي قبل بدء العمل الجاد، فالقرية الأولمبية ستصبح كخلية نحل.
و تتكون من 80 مبنى، و تضم مصحة و قاعات تدريب و مكتب بريد و محطة للحافلات و مطعما – و هو الأكبر في العالم – يفتح على مدار 24 ساعة يوميا، و يقدم 500 وصفة يعدها 200 من الطهاة يوميا.
و لأول مرة في تاريخ الألعاب الأولمبية، سيكون هناك دار حضانة في القرية، حيث يمكن للرياضيين من الآباء و الأمهات رعاية أطفالهم و إصطحابهم. كما أنشأ المنظمون أيضا سوقا صغيرا و مناطق إستجمام و إسترخاء و كافتيريا.
و من المتوقع أن تبلغ تكلفة إستضافة دورة الألعاب الأولمبية و البارالمبية في باريس 2024 ما مجموعه 11,8 مليار يورو، سيتم تمويلها بالكامل تقريبا (96 بالمائة) من إيرادات القطاع الخاص، لا سيما اللجنة الأولمبية الدولية و الشركات الشريكة و مبيعات التذاكر و التراخيص.
و توجه هذه الميزانية لتمويل جميع جوانب التخطيط و التنظيم و التنفيذ للألعاب : تأجير و تطوير و تشغيل الملاعب، و تنظيم المنافسات، و إستقبال الوفود، و إقامة الرياضيين و نقلهم، و تأمين أماكن المنافسات، و حفلي الإفتتاح و الختام.