شكل المنتدى الثالث والعشرون للاستقرار المالي الإسلامي، المنعقد يوم الخميس 3 يوليوز 2025، محطة بارزة لتسليط الضوء على التحديات والفرص التي يواجهها القطاع المالي الإسلامي في ظل ظرفية عالمية تتسم بعدم اليقين وتحولات هيكلية عميقة.
وفي كلمته الافتتاحية، أكد والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، أن هذا المنتدى يمثل فضاء مهما للنقاش والتفكير الجماعي حول مستقبل المالية الإسلامية، مبرزًا أن القطاع يشهد دينامية متزايدة تجسدت في نمو المشاريع بنسبة 14.9 في المائة خلال سنة 2024.
وأشار الجواهري إلى أن هذا الزخم يأتي في سياق عالمي دقيق تطبعه التقلبات الجيوسياسية، لاسيما في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، إلى جانب التحولات الرقمية المتسارعة والضغوط المناخية، وهي عوامل باتت تُلقي بظلالها على استقرار الأسواق المالية، بما فيها المالية الإسلامية.
وسجل والي بنك المغرب أن منطقة الشرق الأوسط لا تزال تحتل موقعًا رياديًا في مجال الأصول المالية الإسلامية، ما يجعل من تطوراتها الجيوسياسية عاملا مؤثرا بشكل مباشر على هذا القطاع الحيوي.
وعلى المستوى الوطني، أوضح الجواهري أن النظام البنكي التشاركي في المغرب لا يمثل سوى 2 في المائة من إجمالي أصول القطاع البنكي، إلا أن الجهود متواصلة لتعزيز هذا التوجه، حيث عمل بنك المغرب، بالتنسيق مع مختلف الفاعلين، على توفير بيئة تنظيمية مناسبة تدعم هذا النموذج، مستندًا في ذلك إلى المرجعية الشرعية التي يضطلع بها المجلس العلمي الأعلى.
من جهة أخرى، توقف الجواهري عند التحديات المرتبطة بتدبير السيولة، معتبرا إياها من الإشكالات الهيكلية التي تعيق تطور المالية الإسلامية، نظرا لمحدودية الأدوات المالية القابلة للتداول وضعف المعاملات العابرة للحدود. وفي هذا الصدد، شدد على ضرورة تسريع وتيرة تطوير أدوات تمويلية جديدة، في مقدمتها الصكوك، بما يتيح تيسير عمليات السيولة ومواكبة متطلبات البنوك التشاركية.
كما نوه بالدور المحوري الذي يلعبه مجلس الخدمات المالية الإسلامية في توحيد المعايير وتعزيز التشاور بين الجهات الرقابية، مشيرًا إلى أن هذا التعاون يشكل ركيزة أساسية لتعزيز النجاعة وتحصين القطاع من التقلبات.
ولم يغفل الجواهري الحديث عن فرص الابتكار في القطاع، حيث أشار إلى أن معدل رقمنة التمويل الإسلامي بلغ 44 في المائة، وهو تطور لافت يتطلب مواكبة تنظيمية متقدمة ويقظة رقابية دائمة، من أجل ضمان توازن بين الابتكار وحماية النظام المالي من المخاطر المستجدة.
واختتم والي بنك المغرب كلمته بالتأكيد على أن تعزيز التمويل الإسلامي لا يقتصر فقط على تطوير منتجات جديدة، بل يتطلب أيضا رؤية استراتيجية شمولية تدمج البعد التكنولوجي والتشريعي والشرعي، بما يضمن لهذا القطاع الاستمرار في أداء أدواره التنموية داخل المنظومة المالية الوطنية والدولية.