كنت اتجول بإحدى ليالي رمضان بشوارع عاصمة جهة درعة تافيلالت وصادفت جمعا من عشرات النساء والرجال واستفسرت أحد الفضوليين مثلي ولم نكن بالقلة عن منظمي المسيرة فقيل لي انه تحالف بين التوأمين حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية وأضاف مخاطبي باستخفاف معلقا عن المنظمين قائلا بلهجة محلية “كيقلبو على فيخرات باش يطيبو شي طاجين اخر” فكنا قربين انا ومخاطبي مما انتهى بنا إلى طاولة من طاولات المقاهي المنتشرة عبر الشارع فتجادبنا أطراف الحديث فتبين لي أن مخاطبي كان منضويا في هذا التنظيم السياسي الذي ينظم هذه المظاهرة وأنه انسحب نهائيا من ذلك التنظيم وبدأ يعلل أسباب تجميد نضاله السابق وقال لي أن الجاذبية التي جرته إلى العدالة والتنمية هي ذلك الخطاب الديني الذي كانت تلوكه ألسنة زعماء الحزب وعلى رأسهم بنكيران والمشرفين على التنظيم سواء وطنيا أو محليا وكنت رغم ملاحظاتي المبكرة للتناقضات البارزة بين الخطاب والعمل إلا أنني كنت ألتمس الأعذار لهؤلاء “الرفاق” مستلهما مقولة أـحد السلف الصالح “من خدعنا بالله انخدعنا له” إلا أن كل الأعذار التي كنت أبذل كل الجهد في خلقها للاستمرار في ذلك التنويم الممارس على الالاف من أمثالي بدأت تشح وتجعلني أنتهي إلى مسؤوليتي في مجابهة النفاق لأنه يعتبر دينيا أسوأ الكبائر لقوله تعالى “إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار “.
ويستطرد مخاطبي قائلا إن جهة درعة تافيلالت عاشت هدرا زمنيا كان سببه نفاق واستهتار زعماء العدالة والتنمية محليا حيث كانوا ينتفعون بكل الطرق الملتوية من المصالح التي توفرها لهم مناصبهم وفي الوقت ذاته كانوا يتباكون كأنهم في المعارضة فلم يأتوا بأي امتيازات لهذه الجهة رغم تواجد حزبهم في رئاسة الحكومة لعقد من الزمن كما أنهم لم يسووا ولو طريق واحدا رغم كون وزارة التجهيز والنقل كانت بأيديهم كذلك لعقد من الزمن ولم ينجحوا في خلق جامعة بالجهة رغم أن التعليم العالي كان كذلك بأيديهم بل استفاد من تلك الوزارة بعض أولئك الزعماء في نيل منصب “أستاذ جامعي”.
أما مجلس الجهة فقد عمر لست سنوات كان رئيسه لا يطل لا على البلاد ولا على العباد إلا ثلاث مرات في السنة وكأنه يعتبر هذه الجهة مجرد صهوة يمتطيها كما فعل في استوزاره واستوزار أقاربه ونيل مقاعد لأهله بقبة البرلمان وخرج من تلك الجهة باجتهادات قانونية عطلت السير العادي لهذا المجلس في معالجة مشاكل المنطقة وساكنتها حيث غادر الجهة ولم يتمكن ولو من وضع تلك الوثيقتين الأساسيتين في تدبير الجهة، أولاهما برنامج التنمية الجهوية الملازم لوثيقة التصميم الجهوي لإعداد التراب. ونظرا لكل هذه التراكمات المحلية والجهوية جاءت نتائج الانتخابات معبرة عن سقوط أقنعة النفاق واستهجان المواطنين الذين عاقبوا العدالة والتنمية في الثامن من شتنبر 2021 بهزيمة قاضية.
واليوم تحاول الثلة القليلة من العدالة والتنمية والتي ألفت دفئ الكراسي وحلب ضرع المناصب أن تعيد الدفئ الى التجارة الدينية الكاسدة والتي لم تعد تنطوي على السواد الأعظم من المجتمع المحلي والوطني.
فمثل مظاهرة اليوم وبكاء التماسيح التي يحاول الراسبون من هذا التنظيم تبنيها من جديد تذكرنا بالمقولة الشائعة “قلوبهم مع علي وسيوفهم مع معاوية”. فإذا كان حزب العدالة والتنمية هو الذي صافح ووقع الاتفاقيات مع الكيان الصهيوني فما يمنع اليوم هؤلاء المتباكون وكلهم بجوازات سفر مملوءة بالتأشيرات أن ينطلقوا إلى فلسطين لنصرتهم لكنه النفاق الذي كان سبب سقوطهم واندحارهم للأبد.
فمنذ بداية الأزمة في غزة وتجار الدين يحاولون عبثا استرجاع بكارتهم وترميم أطلالهم المتهاوية بتنظيم وقفات بدأت بمقراتهم المهجورة ثم انتهت إلى الشارع العام لتكثيف صفوفهم بالفضوليين من أمثال هؤلاء فبدأت بتاريخ 8 أكتوبر 2023 بأرفود محاولة يائسة لاستغلال كثافة الزوار لمهرجان التمور بأرفود.
ثم تجمع بمدينة الرشيدية في 11 أكتوبر 2023، أمام السوق المغطاة عدد هزيل من المشاركين حيث عمد هؤلاء المنظمون إلى اختيار هذا المكان للاستفادة من الرواج اليومي الذي يعرفه هذا السوق نظرا لتوافد عدد كبيرمن المواطنين للتسوق وكذا تواجد محطة خاصة بسيارات الأجرة الصغيرة بجانبه.
زد على ذلك فإن جميع الوقفات كانت تتساوى أرقام المشاركين بين الرجال والنساء كما لو أن ذلك يمثل بعض الرموز الدالة على الخبرات المؤلمة التي شهدها عدد من قادة الحزب على الصعيدين المحلي والوطني.