الحدث بريس: متابعة.
نظمت “مجموعة العمل التقدمي” في مجلس المستشارين، بتعاون مع “الجمعية الديمقراطية للمنتخبين التقدميين”، يوم الأربعاء 27 دجنبر 2017 بمقر المجلس، لقاء دراسيا حول موضوع ” الجهوية بين النصوص وعوائق التفعيل” شارك فيه ثلة من الخبراء والأطر وعدد من برلمانيي حزب التقدم والاشتراكية ومنتخبيه الجماعيين ومستشاريه الجهويين عبر ربوع المملكة.
وقد استهل اللقاء الدراسي بكلمة افتتاحية للاستاذ عبد اللطيف اعمو منسق مجموعة العمل التقدمي بمجلس المستشارين الذي تراس اللقاء،وكلمات كل من السادة عبد الحكيم بنشماش ــ رئيس مجلس المستشارين، خالد الناصري ــ عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية وكريم تاج ــ الكاتب العام للجمعية الديمقراطية للمنتخبين التقدميين.
وبعد ذلك، تقدم بعروض في الموضوع كل من السادة عزيز عبرات ــ إطار بمديرية الشؤون القانونية والدراسات والتوثيق والتعاون (المديرية العامة للجماعات المحلية)، محمد النجاري ــ رئيس قسم بمديرية تكوين الأطر الإدارية والتقنية (المديرية العامة للجماعات المحلية) وعدي شجيري ــ مستشار برلماني عن ” مجموعة العمل التقدمي” بمجلس المستشارين.
وقال الأستاذ عبد اللطيف أعموفي كلمته الافتتاحية، إن اختيار موضوع هذا اللقاء الدراسي نابع من أنه في ظل الأولوية القصوى التي منحها الدستور الجديد للجهوية المتقدمة، كمشروع وطني، صارت ” لنا مسؤولية الإسراع في التغلب على العراقيل” المنتصبة أمام تفعيل النصوص القانونية المتعلقة بهذا المشروع.
وأضاف المستشار أعمو أن انعقاد هذا الأخير يأتي في ظرفية خاصة تتميز ب ” الحاجة الملحة إلى الانطلاق الحقيقي، الفعلي والمواكب لمشروع الجهوية المتقدمة”، مذكرا أن مجلس المستشارين، الذي تقوم فلسفة وجوده على كونه امتدادا للتمثيلية الترابية للجهات، يشكل ” فضاء، بالدرجة الأولى، للحوار بين كل مكونات هذه المنظومة الترابية اللامركزية، والتي شرع المغرب فيها منذ عقود”.
واكد على الحاجة الماسة إلى التأطير النظري والأكاديمي، من أجل تعزيز الثقة في الاطار القانوني” للجهوية، مشيرا إلى أن ” هناك إشكالية حقيقية” في أمرين أساسيين، يهم أولهما البنية الادارية والحكامة، خاصة في ما يتصل بالموارد البشرية، بينما يتعلق الثاني بإشكالية التنمية الجهوية، حيث أن جهات كثيرة تضع برامج تنموية لكنها تظل عاجزة عن انجازها ومفتقرة إلى ” الذكاء الترابي الجماعي” اللازم لتفعيلها.
واستحضرالسيد المستشار في هذا المجال، الإدارة العمومية، وخاصة وزارة الداخلية، التي تشرف على مشروع الجهوية، منبها إلى ما يعترض هذا الدورمن عوائق على مستوى الموارد البشرية،ورصد جملة من العوائق التي تحول دون تسريع وتيرة إنجاز مشروع الجهوية المتقدمة، محددا إياها، بالأساس، في تراكمات التجربة السابقة ومستوى تكوين المنتخبين ودرجة تهيئهم ومدى إنخراطهم، موضحا أن تنصيص القانون على أن ” المنتخب يجب أن يحضر اجتماع الدورات دون المشاركة في أمور أخرى”، يفهم بشكل سلبي مما يؤدي إلى تعطيل آليات عديدة، من قبيل اللجان، التي لا تشتغل إلا خلال أسبوع انعقاد الدورة، والحال أن لهذه اللجان دورا أساسيا في تفعيل العلاقة بين المؤسسة الترابية والمواطنين، إذ أنها المسؤولة عن وضع الآليات التشاورية الواردة في القوانين، ولها الحق في المبادرة إلى تقديم الاقتراح وتدبير العملية الاقتراحية، كما كشف عما يعتري كيفية اشتغال الجهاز التنفيذي للجماعة الترابية من خلل يتمثل في كون هذا الجهاز لم يصل بعد إلى درجة فهم معنى الأولويات، في حين أن الدولة لم تقدم المساعدات اللازمة والحال أن هناك أولويات يتعين على الدولة الإسهام في وضعها، وخاصة على مستوى الخدمات الاجتماعية والبنيات التحتية والتجهيزات الأساسية، فضلا عن الأولويات الترابية المتعلقة بالتنمية الإجتماعية، من تعليم وصحة وغيرهما.
وترتيبا على ما تقدم، خلص ذ. اعمو إلى أنه من بين الاشكاليات القائمة، تطرح، بالخصوص، إشكالية تضارب الاختصاصات بين الفاعلين في مجال تدبير ورش الجهوية، بل والتحكم فيها. واعتبر أن ذلك يفضي إلى تعطيل آليات عمل اللجان، معربا عن يقينه بأن عدم استحضار مفهوم الأولوية، لدى وضع المشاريع التنموية الجهوية، سيؤدي، حتى ولو تم تأسيس مئات الوكالات لتنفيذ هذه المشاريع، إلى إفشال اللامركزية واللاتركيز، وبالتالي إلى قيادة البلاد بسرعتين : الفقر المدقع والغنى الفاحش، مما يتسبب في قلاقل اجتماعية خطرة، وحذر من المشاكل المجتمعية الخطيرة التي ستتولد، لا محالة، عن انعدام الحدود الدنيا للعدالة الإجتماعية. ورأى أن الحل الوحيد لبلد كالمغرب من أجل التصدي لهذا الخطر الداهم إنما يكمن في ” التنمية الشمولية الترابية”، داعيا إلى عدم إهدار الفرص المتاحة.
من جهته، نوه الاستاذ حكيم بنشماش، رئيس مجلس المستشارين، بمبادرة “مجموعة العمل التقدمي” لتنظيم لقاء دراسي حول ورش الجهوية المتقدمة، على اعتبار أنه ” أحد أهم المواضيع المطروحة على جدول أعمال بلادنا”، داعيا إلى إبقاء النقاش العمومي التعددي مفتوحا بهذا الشأن.
وأكد السيد الرئيس على الطابع “الاستراتيجي والهيكلي” لورش الجهوية المتقدمة، الذي يعد، ” أهم ورش إصلاحي على الإطلاق في المغرب”، وذلك من حيث أن إنجازه يرمي إلى “إعادة صياغة بنية الدولة، هياكلها ونسقها”.
وأعرب ذ.بنشماش عن اعتقاده بأن مشروع الجهوية المتقدمة “يجتاز مرحلة تأسيسية”، مبديا تخوفه من أن تطول هذه المرحلة، وحاثا على ضرورة تفعيل هذا المشروع في أسرع وقت، وذلك بالنظر إلى أهميته ولما يمكن أن يحدثه من تطور على أكثر من صعيد.
وذكر بما أنتجته مؤسسات وطنية من “رصيد محترم” في مجال التفكير حول الجهوية المتقدمة، داعيا إلى استحضاره ومراجعته وتقييمه، من أجل رفع العقبات التي لا تزال تعترض هذا الورش الوطني، الذي يسعى المغرب إلى تنزيله من أجل تحقيق تنمية اجتماعية شاملة.
ومن أهم عناوين هذا الرصيد، يقول السيد رئيس مجلس المستشارين، هناك كتاب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، المتضمن ل 76 توصية، والتي “في معظمها، بقيت حبرا على ورق، ولم يتم الاشتغال عليها”، وكذا الخلاصات الختامية وتوصيات الملتقى البرلماني الأول ( نونبر 2016) والثاني ( نونبر 2017) للجهات، المنظمين من قبل مجلس المستشارين، الذي يعتبربمثابة ” امتداد للجماعات الترابية، والذي، من حيث الاختصاصات المخولة له دستوريا، “لا معنى له غير الاضطلاع بدور برلمان الجهات”.
ونبه ذ. بنشماش إلى أنه كلما تشابكت التحديات التي تفرمل انتقال قطار الجهوية المتقدمة إلى السرعة القصوى إلا وارتفع سقف انتظارات المواطنين، لأن حل معظمها ( نحو 80 في المائة منها) يرتهن باخراج مشروع هذه الجهوية إلى حيز الوجود.
وقال إن “أم العقبات”، المعيقة لتفعيل ورش الجهوية المتقدمة، تتمثل في ” ضعف ومحدودية تملك هذا الورش في حد ذاته”، مشيرا إلى أن تدارك هذا الخصاص يتطلب بذل ” جهد كبير” ينطلق من واقع أنه ” كلما تأخرنا في رفع العوائق، إلا وكانت التكلفة باهظة”.
وأضاف أن من بين العقبات الكبرى المنتصبة أمام ورش الجهوية المتقدمة “غياب قيادة استراتيجية” لهذا الورش المهم جدا، مشددا على أن البلاد في أمس الحاجة إلى قيادة كهذه بالمواصفات المطلوبة ألا وهي أن تكون “قيادة مسلحة برؤية واضحة، وتتمتع بقدرة كافية على ترتيب الأولويات”، أخذا بعين الاعتبار أن الأمر يتعلق بورش طويل المدى.
وباسم المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية تكلم الاستاذ خالد الناصري عضو المكتب السياسي واستاذ القانون الدستوري الذي أثنى على تنظيم هذا اللقاء باعتباره “مبادرة حسنة”، لأن موضوعه ” بقدر ما يتم تداوله، يجب الانتباه إلى عدم تكرار الوصفات السهلة”، مؤكدا على أن ورش الجهوية المتقدمة “بناء تاريخي طويل، على امتداد عقود من التفكير والمحاولات والانجازات والفشل”. ودعا إلى ضرورة توظيف هذا العمل الجماعي من أجل ” الانتقال إلى السرعة القصوى”، تماشيا مع ما يمليه دستور المملكة، الذي ينص على الجهوية المتقدمة والمتطورة، بالإضافة إلى توفر البلاد على قانون تنظيمي يحيط بمختلف جوانب الموضوع، مسطرا على أن ” مقتضيات الدستور محطات أساسية، لكنها ليست هدفا في حد ذاتها”.
وقال ذ. الناصري إن ” هاجس البناء الديمقراطي يتم تفعيله عن طريق آليات الحكامة الناجعة”، مضيفا ” لقد انتهى الزمن الذي كنا نتحدث فيه عن الديمقراطية كشعار، واليوم نؤكد على ضرورة ترسيخ الحكامة الناجعة”، التي تخدم مشروع البناء الديمقراطي، الذي سيكون بدونها “عبثا في عبث “.
وشدد عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية على أن الجهوية المتقدمة تنطلق من اللاتمركز واللامركزية، التي راكم فيها المغرب مجموعة من التجارب، مبرزا ” الحاجة إلى تأكيد حقيقة أساسية تتمثل في ضرورة العمل من أجل الانتقال إلى خلق ثورة ثقافية تنبثق عنها ثقافة إدارية جديدة”، لا سيما وأن “هناك عقليات لا تساعد على تجاوز بعض العقبات”. وأوضح أن إقامة ثقافة إدارية جديدة إنما تتغيا “إعطاء مدلول ملموس للخطوة الجبارة المتمثلة في دستور 2011، الذي لا يزال في حاجة إلى تفعيل” في إشارة الدستوري إلى ورش الجهوية المتقدمة.
ومن جانبه، قال كريم التاج، كاتب عام “الجمعية الديمقراطية للمنتخبين التقدميين” إن هذه الأخيرة تولي أهمية خاصة لتكوين أعضائها في مواضيع شتى، وفي طليعتها موضوع الجهوية المتقدمة، وذلك لتأهيلهم أكثر بما يمكنهم من ممارسة مهامهم الإنتخابية، والتفاعل الجيد مع المؤسسات، والعمل الجدي من أجل الإسهام في المشروع التنموي والديمقراطي المنشود، الذي أسس له دستور 2011.
وأضاف التاج أن “الجمعية الديمقراطية للمنتخبين التقدميين” تشتغل بمنطق المزاوجة بين التكوين والممارسة، حيث أن المنتخبين التقدميين يمارسون مهامهم الإنتخابية ونضالهم اليومي انطلاقا من مواقعهم بجماعاتهم وجهاتهم، وفي الوقت ذاته يواكبون مختلف برامج التكوين، ويولون الأهمية اللازمة للمواضيع الهادفة إلى الرفع من مستوى أدائهم وتحسين الممارسة العملية والفعل الميداني.
وبعد الجلسة الافتتاحية للقاء استمع المشاركون لعدد من المداخلات التاطيرية لخبراء وممارسين.
فتدخل الأستاذ عزيز عبرات، إطار بمديرية الشؤون القانونية والدراسات والتوثيق والتعاون بالمديرية العامة للجماعات المحلية، بعرض مفصل حول”اختصاصات الجهة: المبادئ المؤطرة وآليات الممارسة”، تمحور حول المبادئ المؤطرة لاختصاصات الجهات وشروط وآليات ممارسة هذه الاختصاصات.
وأوضح ذ.عبرات أن الاختصاصات اياها تقوم على ثلاثة مبادئ، وهي : 1 ــ مبدأ التدبير الحر ( الذي يخول بمقتضاه لكل جهة، في حدود اختصاصاتها، سلطة التداول بكيفية ديمقراطية، وسلطة تنفيذ مداولاتها ومقرراتها)، 2 ــ مبدأ التفريع ( يعني إسناد الاختصاص للجماعة الترابية الأقرب للمواطن والأنسب لممارسة هذا الاختصاص) و3 ــ مبدأ التعاون والتضامن ( سواء بين الجهات في ما بينها أو بينها والجماعات الترابية الأخرى، من أجل بلوغ أهدافها، وخاصة إنجاز مشاريع مشتركة الاختصاص).
وأضاف أنه عند ممارسة الاختصاصات المشتركة ونقل الاختصاصات من الدولة إلى الجهة، يتعين مراعاة كل من مبدأ التدرج (عدم نقل الاختصاصات أو ممارسة الاختصاصات المشتركة دفعة واحدة، إذ يجب تقييم أداء الجماعات الترابية ومدى بلوغها للحكامة الجيدة في تدبير شؤونها ومدى قدرتها وجاهزيتها للاضطلاع بالمزيد من الاختصاصات)، ومبدأ التمايز( ويقصد به إعمال التجربة بالنسبة لبعض الجماعات الترابية، في أفق تعميم هذه التجربة على جميع الجماعات الترابية المعنية).
وأبرز المتحدث “مكانة الصدارة”، التي تحتلها الجهة بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى، في مجال برمجة التنمية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب وتنفيذها وتتبعها، مع مراعاة الاختصاصات الذاتية للجماعات الترابية الأخرى، مردفا أنه يتعين على السلطات العمومية المعنية مراعاة مكانة الصدراة هذه.
واستفاض في استعراض مصادر تحديد اختصاصات الجماعات الترابية، وقاعدة التمييز بين الاختصاصات والصلاحيات، والاختصاصات الذاتية ( أي الموكولة حصريا للجهة في مجال معين)، والاختصاصات المشتركة بين الدولة والجهة ( أي تلك التي يتبين أن نجاعة ممارستها تكون بشكل مشترك) والاختصاصات المنقولة (من الدولة إلى الجهة، بهدف توسيع الاختصاصات الذاتية لهذه الأخيرة بشكل تدريجي)، فضلا عن مهام الجهة المتمثلة في النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة، والاختصاصات الاستشارية للجهة، حيث يتعين على السلطات العمومية استشارة مجلس الجهة في السياسات القطاعية التي تهم الجهة وكذا التجهيزات التي تخطط الدولة إنجازها فوق تراب الجهة.
وبخصوص شروط وآليات ممارسة اختصاصات الجهات، قدم ذ.عبرات الخطوط العريضة لقواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر، وسلطات الجهة ( الخاصة بالتداول، تنفيذ المداولات والمقررات إلى جانب التوفر على السلطة التنظيمية لممارسة صلاحيات الجهة)، وكذا لآليات التدخل، إن على مستوى برمجة التنمية أو على صعيد التعاون والشراكة، بما في ذلك إبرام اتفاقيات مع فاعلين من خارج المملكة في إطار التعاون الدولي.
بدوره، قدم الأستاذ محمد النجاري، رئيس قسم بمديرية تكوين الأطر الإدارية والتقنية بالمديرية العامة للجماعات المحلية، عرضا ضافيا حول “أهمية التكوين وتنمية قدرات أعضاء الجماعات الترابية في إنجاح التجربة الجهوية”، تمحور حول السياق القانوني والتنظيمي للتكوين المستمر لفائدة أعضاء مجالس الجماعات الترابية، ومواكبة هذه الأخيرة في ميدان التكوين المستمر.
وقارب ذ. النجاري الموضوع من منطلق أهمية التكوين وتنمية قدرات المنتخبين والموظفين، على اعتبار أن العنصر البشري يشكل إحدى ركائز الإدارة المحلية والجهوية الفعالة والمحترفة، وأن تحسين جودة خدمات المرافق العمومية يمر عبر التكوين والتأهيل، علما بأن ضمان الحكامة الجيدة وتحقيق التنمية مرتبطان بكفاءة العنصر البشري.
وأوضح، في هذا الصدد، أن القوانين التنظيمية للجماعات الترابية أقرت حق المنتخبين وموظفي هذه الجماعات في الاستفادة من دورات التكوين المستمر في المجالات المرتبطة بالاختصاصات المخولة للجماعات الترابية، ومكنت الجهة من الاشراف على هذا التكوين كاختصاص ذاتي، كما ربطت التكوين المستمر بالتنمية الجهوية، مذكرا بأن هذا التكوين يرتكز على عدم وصاية جماعة ترابية على أخرى، والتعاون والتضامن بين الجماعات الترابية، واعتماد المقاربة التشاركية في إعداد التصميم المديري للتكوين والبرامج التكوينية.
و استعرض المتحدث مهام المصالح المركزية لوزارة الداخلية المكلفة بالتكوين والجهود التي تبذلها لتأهيل الموارد البشرية للجماعات الترابية ومواكبة هذه الأخيرة لتدبير شؤونها، خاصة من خلال المساعدة على تحديد الحاجيات، برمجة وتقييم عمليات التكوين، إعداد الوثائق الجهوية ذات الصلة، تطوير استعمال التقنيات الحديثة، الاعتماد على التكوين عن بعد، توسيع قاعدة المستفيدين، تدبير شبكات المكونين وتنظيم لقاءات تحسيسية.
ومن موقع الممارسة والتفاعل اليومي، قدم السيدعدي شجري، المستشار البرلماني وعضو”مجموعة العمل التقدمي”، عرضا تفصيليا حول “عوائق تفعيل الجهوية من خلال الممارسة الميدانية”، معتمدا في ذلك على مثال التجربة الفتية لجهة درعة ــ تافيلالت، التي تم إحداثها كجهة جديدة بعد الانتخابات الجهوية لسنة 2015، والتي انطلقت، عمليا،” من لاشيء” .
وبعد أن استعرض شجري المؤهلات الطبيعية المتنوعة والإمكانيات البشرية الكبيرة للجهة، أبرز المشاكل التي تواجهها، سواء المرتبطة منها بالجانب الهيكلي الذي طغى على جانب التخصص التنموي، أو ذات الصلة بكونها جهة جديدة تفتقر للبنيات اللازمة والموارد البشرية الضرورية وآليات العمل المناسبة.
ورصد السيد المستشار من خلال أمثلة حية ووقائع ميدانية، أهم المشاكل المجتمعية التي تعاني منها هذه الجهة الجديدة، والمتمثلة أساسا في العزلة، سواء من حيث الخصاص المهول على مستوى المطارات والطرق والمناطق الصناعية، أو من جراء الاحتياجات الضخمة على صعيد البنيات الأساسية للمؤسسات العمومية، وكذا من حيث السياسات العمومية الموجهة للأقاليم الخمسة المكونة للجهة، والتي تنهج المقاربات نفسها المعمول بها في مناطق أخرى، دون اعتبار للخصوصيات والتمايزات ولا لتباين الحاجيات والأولويات.
وفي أعقاب المداخلات المقدمة، دار نقاش جدي، مستفيض ومثمر شارك فيه، فضلا عن المتدخلين والأطر، وعلى نحو اتسم بالحماسة وإرادة الانتقال إلى السرعة القصوى، المستشارون والمنتخبون التقدميون، القادمون من مختلف ربوع المملكة، والذين أثاروا، بدورهم، طائفة واسعة من الإشكالات والعوائق التي تواجه عملهم كممثلين لساكنة جماعات ترابية وجهات عديدة. كما قدموا باقة من الاقتراحات والحلول الكفيلة، في تقديرهم، بتهيئة سبل التوجه السليم والسالك نحو ” جهوية متقدمة ناجحة”.
وبناء على كل ما قدم في اللقاء من مداخلات وعروض وما دار من نقاش عميق ومثمر، صدرعن اللقاء 24 توصية :
1 ــ تبني الخلاصات الختامية وتوصيات الملتقى البرلماني الثاني للجهات، الذي نظمه مجلس المستشارين بالرباط في 16 نونبر 2017، والحث على التعجيل بتفعيل هذه التوصيات وكذا التوصيات ذات الصلة الصادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
2 ــ العمل على تجاوز حالة ضعف، محدودية وتباين مستويات تملك ورش الجهوية المتقدمة.
3 ــ توفير قيادة استراتيجية لورش الجهوية المتقدمة، تكون لها رؤية واضحة للحاجيات وقدرة كافية على ترتيب الأولويات، اعتبارا لكون الأمر يتعلق بورش طويل المدى.
4 ــ الرفع من مستوى التمكين في الاستراتيجيات الترابية، ودعم القيادة الاستراتيجية بالجهات.
5 ــ التأكيد على ضرورة التكوين المستمر للمستشارين الجهويين، والحرص على أن يتم ذلك وفق مقاربة تستجيب للمتطلبات الفعلية وبرنامج ملائم، من حيث المحتوى والتوقيت والتحفيز، إن وطنيا أو جهويا.
6 ــ المواظبة على تحسيس مكونات الإدارة الترابية والمستشارين الجهويين، معا، بالأدوار الجديدة للجهة. وبمدى أهميتها في التنمية المندمجة والمسار الديمقراطي لبلادنا.
7 ــ تعبئة المنتخبين جميعهم حول مشروع الجهوية المتقدمة.
8 ــ تفعيل آليات التشاور والديمقراطية التشاركية.
9 ــ جعل اللجن الدائمة، فعلا، أداة دائمة للحوار والاقتراح والتفاعل مع المكونات الترابية.
10 ــ دعم التنظيم الإداري والتقني بما يكسبه المواصفات الملائمة اللازمة، وذلك عبر اعتماد منظام شمولي يحيط بكل حاجيات الجهة.
11 ــ الحرص على التحسين المستمر للحكامة في جميع أبعادها.
12 ــ تحديد الأولويات الأساسية لكل جهة، وذلك في نطاق متناغم مع أولويات التنمية البشرية.
13 ــ تخويل مزيد من الاستقلالية للجهة، وبالتالي لرئيسها، لتمكين الجهة من تحمل مسؤولية أعمالها أمام الناخبين، بعد أن أصبح هؤلاء ينتخبون أعضاءها بكيفية مباشرة.
14 ــ وجوب الحسم في مشكل محدودية الموارد البشرية، في اطار تمكين الجهة من مستلزمات الاضطلاع، على النحو المطلوب، بالأدوار المناطة بها، مما يستوجب تزويدها بالموارد البشرية الكافية والكفأة.
15 ــ ضرورة التركيز على اعتماد المراقبة الإدارية البعدية، في ما يخص القرارات المالية، ليتأتى بذلك تجاوز ما يطبع المراقبة القبلية من خلفية وصائية تحول دون دخول القرارات اياها حيز التنفيذ فور اتخاذها.
16 ــ توسيع دائرة اتفاقات الشراكة المبرمة بين الجهة والجمعيات المدنية لتشمل، بالإضافة إلى الجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة، جمعيات أخرى تزاول أنشطة متعددة، تمكينا بذلك للجهة من أداء دورها، كاملا وعلى نطاق أرحب، في مساندة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
17 ــ تنويع التعاقدات وآليات التشارك والتعاون مع مختلف الهياكل والمؤسسات العمومية والخاصة.
18 ــ تفعيل التعاون الدولي.
19 ــ دعم الأنظمة المالية للجهات، وتنويعها وتقوية الموارد الذاتية.
20 ــ الكشف عن الموارد الجهوية، والإعلان عنها، وجعلها قاعدة لتنمية الجهة.
21 ــ مراعاة معيار الهشاشة والخصاص، بالنسبة للجهات المتضررة من التقسيم الإداري المعتمد، لدى تحديد مخصصات ميزانية الدولة للجهات، مع تضمين هذا المعيار في الميزانية تأكيدا بذلك لحرص الدولة على تفعيل توجهها نحو تحقيق العدالة المجالية.
22 ــ تسريع عملية اصدار ميثاق اللاتمركز واخراج الميكانيزمات المرتبط به إلى حيز الوجود والتفعيل.
23 ــ صياغة تصور محكم لنظام الإلتقائية من أجل اعتماده كأداة فعالة للاشتغال.
24 ــ وضع آليات لتقييم السياسات الترابية بالجهات، سواء المتبعة من طرف الدولة أو الجهات.
25 ــ الدعوة إلى بحث أنجع سبل التعاون بين الجهات والمجالس الجهوية للحسابات في أفق تحسين مستوى إنجاز المشاريع التنموية.