تماشيا مع الحيثيات القانونية المنصوص عليها في دستور المملكة، والتي خولت للنيابة العامة الحق في إصدار الأمر بالاعتقال الاحتياطي. بمقتضى الفصل 117 في إطار حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم. عن طريق حرصها على ضرورة الموازنة بين مصلحتين أساسيتين قبل إصدار هذا الأمر. كما أن هذا الحق ذو حمولة حقوقية ودستورية بهدف التصدي للجرائم تنفيذا للعدالة الجنائية.
وفي هذا الصدد، أفاد جهاز النيابة العامة أن هذه الموازنة صعبة تجعل اختيار القرار المناسب ليس بالأمر الهين، فكما يُنتقد اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي لمساسه بالحرية، كثيرا ما يُنتقد موقف النيابة العامة لعدم متابعتها للمشتبه فيه في حالة اعتقال. ولعل التظلمات التي تتلقاها رئاسة النيابة العامة من بعض الضحايا بسبب عدم اعتقال المشتكى به لدليل على ذلك.
وفي نفس السياق، شدد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض أنه “لمن دواعي الفخر والاعتزاز أن أشارك معكم في افتتاح أشغال هذا اليوم الدراسي الهام. الذي يعالج أحد المواضيع المثيرة للجدل على مستوى العدالة الجنائية، ألا وهو “الاعتقال الاحتياطي”.
وعلى هذا الأساس، أفاد الداكي على أن حرية الأفراد حق مقدس أثبتته المواثيق الدولية وقيدت المساس به لأضيق الحدود. كما أن المقتضيات الدستورية أولت لهذا الحق أهمية بالغة. حيث جاء في الفصل الثالث والعشرين على أنه “لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون”.
قانون المسطرة الجنائية
وتجدر الإشارة، أن المشرع المغربي أحسن صنعا أثناء صياغة هذا النوع من الحيثيات ضمن قانون المسطرة الجنائية كذلك، حيث اعتبر في المادة 160 منه، أن الاعتقال الاحتياطي ما هو إلا تدبير استثنائي. باعتبار أن من أبرز أزماته ارتفاع معدلاته، وما قد يفرزه ذلك من تأثيرات سلبية على الوضعية العامة للساكنة السجنية، الأمر الذي يضع الفاعلين القضائيين الذين لهم سلطة الاعتقال أمام التساؤلات، وفي مقدمتهم النيابة العامة، على دورها في ترشيد الاعتقال الاحتياطي وما تم اتخاذه من تدابير وإجراءات في هذا الإطار.
ويذكر أن واقع الجريمة ومعدلاتها يشكلان عاملاً محدداً، كما يلاحظ أنه سنة بعد أخرى يرتفع عدد الأشخاص المقدمين إلى النيابات العامة للإشتباه في ارتكابهم جرائم، فعلى سبيل المثال انتقل عدد المقدمين سنة 2017 من 537100 شخص إلى 648296 شخص سنة 2020، أي بزيادة بلغت أكثر من 110.000 شخص في أربع سنوات بنسبة ارتفاع تقدر بـ 20℅.
ولفت وكيل الملك أن الأدوار الدستورية والقانونية الملقاة على عاتق رئاسة النيابة العامة. ساهمت في وعيها بضرورة ترشيد الإعتقال الإحتياطي، كأولوية مركزية في تنفيذ السياسة الجنائية. مما أدى إلى انخفاض معدل الإعتقال الإحتياطي سنة 2017 من 42℅ إلى أقل من 39℅ في متم سنة 2019. كما انخفضت عدد المتابعات في حالة اعتقال والتي تنتهي بالبراءة من أكثر من4000 حكم بالبراءة في كل من سنتي 2017 و2018. إلى 1867 حكما بالبراءة خلال سنة 2020. وهو ما يعكس المجهود الكبير الذي تقوم به رئاسة النيابة العامة مع مختلق النيابات العامة بالمحاكم من أجل تخفيض عدد حالات الأحكام التي تنتهي بالبراءة إلى أقل من النصف في الثلاث سنوات الأخيرة.
غير أنه مع ذلك ينبغي التأكيد على أن تخفيض معدل الإعتقال الإحتياطي. لايمكن أن ينجح بجهود النيابة العامة وحدها، فالعوامل المتدخلة في عدد المعتقلين تتميز بالتعدد، بدءً من مرحلة ما قبل وقوع الجريمة، حيث يجب وضع برامج وقائية للحيلولة دون ارتفاع عدد المشتبه فيهم المقدمين إلى العدالة.
مفارقة كبيرة بين النص والواقع
وعلى صعيد أخر، فقد سبق لرئيس النيابة العامة، أن وجه دورية لكل من الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الإستئناف، ووكلاء الملك لدى المحاكم الإبتدائية، حول “ترشيد الاعتقال الاحتياطي”، باعتباره يعد من الأولويات الأساسية في تنفيذ السياسة الجنائية نظرا لمساسه المباشر بحرية الأفراد وبتعزيز الثقة في أجهزة العدالة الجنائية.
كما أن هذه الدورية أبانت على وجود مفارقة كبيرة بين النص والواقع، من خلال للظروف الصحية التي تعيشها بلادنا في بداية حالات الطوارئ. حيث شدد رئيس النيابة بموجبها على تدبير وضعية المعتقلين بالمؤسسات السجنية. نظرا للبطء الذي عرفته القضايا الزجرية للمعتقلين وصعوبة انطلاق المحاكمات عن بعد.
وفي نفس السياق، کشف التقرير السنوي لمندوبية السجون سابقا. أن عدد المعتقلين الإحتياطيين من مجموع السجناء بلغ عند متم السنة الماضية 38 ألفا و837 معتقلا. أي ما يعادل 45.70 في المئة. وهذا ما يشكل تناقضا كبيرا في المغرب، ومفارقة بين النص والواقع. ولكم في قضايا الذين اعتقلوا بسبب كورونا في بداية الحجر الصحي خير دليل.
ونظرا للانتقادات الموجهة لهذا القرار السالب للحرية. والذي تعتبره المادة 159 من قانون المسطرة الجنائية تدبيرا استثنائيا. يعمل به في الجنايات أو في الجنح المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية. يهدف إلى وضع المتهم في السجن. خلال المدة التي يسمح بها القانون. والتي تمتد بين فترة افتتاح التحقيق. فترة التحقيق الإعدادي في القضية المتهم فيها إلى حين صدور الحكم فيها. ناشد وكيل الملك بأن يتم إحداث توصيات واقتراحات بناءة تساعد في تطوير استراتيجية معالجة الموضوع. وتحسين وضعية الاعتقال الاحتياطي في بلادنا.
وختاما، حفظ الله مولانا أمير المؤمنين رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية جلالة الملك محمد السادس بما حفظ به الذكر الحكيم. وأقر عينه بولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن. وشد أزره بسموه الرشيد الأمير مولاي رشيد وكافة أسرته الشريفة. الذي ما فتئ جلالته يحث على إيلاء للحريات والحقوق أولى الأولويات من عنايته في مختلف المناسبات. ويحث على الذود عليها في إطار من تلازم بين الحقوق والواجبات وفق سيادة القانون وتحقيق المساواة أمامه.