الحدث بريس..ادريس بوداش
مع بداية الدخول السياسي الجديد، يطل المغرب على مرحلة دقيقة تتطلب من الحكومة قراءة الواقع بموضوعية وتحويل التوجيهات الملكية إلى نتائج ملموسة. فخطاب العرش الأخير لم يكن مجرد كلمات موسمية، بل رسم خارطة طريق واضحة أمام الحكومة، محدداً الأولويات: كتعزيز العدالة الاجتماعية والمجالية، تعميم الحماية الاجتماعية، إصلاح التعليم والصحة، وتأمين الأمن المائي والغذائي. هذه التوجيهات ليست توصيات عابرة، بل تعاقد جديد بين الدولة والمواطن، والحكومة مطالبة بتحويلها إلى سياسات قابلة للقياس والتنفيذ.
واقع البطالة وسوق الشغل
لعل الأرقام تعكس حجم التحديات التي تنتظر الحكومة. فمعدل البطالة الإجمالي بلغ 12.8% في الربع الثاني من 2025، فيما تجاوزت بطالة الشباب 35.8% ونسبة البطالة بين النساء 19.9%، ما يعكس هشاشة سوق الشغل وصعوبة امتصاص اليد العاملة، رغم المشاريع الاستثمارية الكبرى في قطاعات الطيران والطاقة المتجددة والبطاريات الكهربائية. لذا فالشباب المغربي ينتظر فرصاً حقيقية، وإذا لم يجدها، فإن أي إنجاز اقتصادي سيظل بعيداً عن حياة المواطن.
أزمة الماء وتأثيرها على الأمن الغذائي
أما أزمة الماء فتمثل تهديداً مباشراً للأمن الغذائي، إذ لم تتجاوز نسبة ملء السدود 30.7% في يوليوز 2025، بينما لم يتعدَّ محصول الحبوب 25 مليون قنطار، وهو رقم بعيد عن المتوسط السنوي المطلوب لضمان الأمن الغذائي. هذا الوضع يستدعي تسريع مشاريع التحلية، وإعادة هيكلة الزراعة لتقليل الاستهلاك المفرط للماء، وتطوير آليات حكومية للتسيير الذكي للموارد.
الصحة والتعليم بين التحديات والفرص
في قطاع الصحة، لا يتجاوز عدد الأطباء 8 لكل 10 آلاف نسمة، فيما تحتل نتائج المغرب في اختبارات PISA مراكز متأخرة، ما يؤكد الحاجة الملحة لإصلاح التعليم وتحسين جودة المدرسة العمومية. هذه المؤشرات تعكس ضرورة توفير الخدمات الأساسية بشكل فعال، لأن المواطن يقيم نجاح الحكومة بناءً على جودة هذه الخدمات في حياته اليومية.
الحماية الاجتماعية: من الكم إلى الجودة
شهد المغرب تقدماً ملحوظاً في الحماية الاجتماعية، إذ أصبح نحو 25 مليون مواطن مشمولين بالتغطية الصحية الأساسية وحوالي 3.9 مليون أسرة تتلقى الدعم المباشر. لكن التحدي لم يعد الكم، بل ضمان الجودة والاستدامة والوصول الفعّال إلى المستحقين. ربط الدعم بالسجل الاجتماعي الموحد يصبح أمراً حيوياً لتقليص الهدر وتحقيق العدالة الاجتماعية.
الطاقات المتجددة: إنجاز وفرص للتنمية
ويشكل المغرب نموذجاً إقليمياً في مجال الطاقات المتجددة اليوم، إذ بلغت نسبة الطاقة النظيفة من القدرة المركبة حوالي 45%. لكن التحدي يكمن في رفع نسبة التوليد الفعلي وربطها بالشبكة الوطنية وضمان التخزين، خصوصاً في مناطق الطلب العالي. ربط مشاريع الطاقات المتجددة بالتصنيع المحلي وخلق فرص تشغيل حقيقية يشكلان مفتاح النجاح الاقتصادي والاجتماعي للحكومة.
التحديات الكبرى أمام حكومة أخنوش
إن الخطاب الملكي أكد على ضرورة إنهاء “المغرب بسرعتين”، ما يستدعي انتقال الحكومة من برامج مركزية إلى عقود جهوية ذكية تقيس التقدم في التعليم والصحة والبنية التحتية وتمنح الجهات استقلالية أكبر في التنفيذ. مشاريع التحلية الساحلية أصبحت مسألة حياة أو موت، وإعادة هيكلة الزراعة لتقليل الاستهلاك المفرط للماء أمر عاجل، كما أن سوق الشغل يحتاج تركيزاً حقيقياً على التكوين المهني المرتبط بالقطاعات ذات القيمة المضافة وتشجيع تشغيل النساء وربط الحوافز بعدد الوظائف المنشأة فعلياً. الحماية الاجتماعية تتطلب الانتقال من الكم إلى الجودة وربط الدعم بالسجل الاجتماعي الموحد لضمان الاستهداف الفعّال، بينما يعتمد الانتقال الطاقي والصناعي على ربط مشاريع الطاقات المتجددة بالتصنيع المحلي وتطوير صناعة الهيدروجين الأخضر وربطها بالبحث العلمي والتكوين المهني.
المواطن يقيم الحكومة من النتائج اليومية
المغاربة اليوم لا يهمهم الشعارات السياسية، بل النتائج اليومية التي يمسّونها بأنفسهم؛ جودة المستشفى أو المدرسة، ثمن المواد الأساسية، ووجود فرص عمل حقيقية للشباب، كلها مؤشرات يقيّمون على أساسها أداء الحكومة. وفي هذا السياق، يصبح الدخول السياسي الجديد اختباراً حقيقياً للحكومة، فهي إما أن تنجح في تحويل خطاب العرش إلى نتائج ملموسة تعيد الثقة للمواطن، أو أن تفشل، فتسجل نفسها كحكومة الفرص الضائعة في ظرفية حساسة تاريخياً.
السيناريوهات المحتملة للدخول السياسي الجديد
إلى ذلك فالسيناريوهات متعددة، من الأساس الذي يشير إلى نمو اقتصادي بين 3.5 و4.4% مع استمرار الضغوط على البطالة وارتفاع تكلفة المعيشة، مروراً بالسيناريو المتفائل الذي يتوقع انخفاض البطالة بمقدار نقطتين مئويتين نتيجة بدء الإنتاج الصناعي وتحسن الموارد المائية، إلى السيناريو المتحفظ الذي يتوقع استمرار الجفاف وضعف الإنتاج الفلاحي وبطء المشاريع الكبرى، ما يزيد الضغوط الاجتماعية والسياسية. النجاح لن يُقاس بعدد المشاريع أو القوانين المصادق عليها، بل بمدى انعكاس السياسات على حياة المواطن اليومية، وهو أكبر تحدٍ سياسي اليوم في المغرب.